النظام الاقتصادي الذي يعتمد على حرية السوق؛ على الرغم من نشاطه وديناميكيته وقدرته على امتصاص الأزمات واستيعابها وإعادة بناء نفسه وفق مقتضيات العرض والطلب, إلا أنه من ناحية أخرى يفتقد الكثير من الجوانب الإنسانية في قوانينه، فقوانينه تسلّع كل الأشياء أي تحولها إلا سلعة (ومن ضمنهم البشر) وتدفع بهم إلى السوق تحت قانون العرض والطلب والمنافسة بغرض الاستحواذ على المزيد من المقتنيات في حلقة من العطش الدائم.
لكن في تلك المجتمعات نجد على الجانب الآخر وبمؤازاة هذه السوق العديد من التوجهات الإنسانية التي تصنع العديد من الكوابح والضوابط لكبح اندفاع السوق ضد إنسانية الإنسان, ففي الولايات المتحدة مثلا التي تمثل أبرز الأمثلة العالمية على النظام الاقتصادي الحر يوجد هناك نظام قضائي مستقل وقوي قادر على متابعة المسيء ومحاسبته وإجباره على دفع تعويضات للمتضرر، هناك منظمة ال(FDA) وهي المنظمة المعنية بإجازة المنتج الطبي وفق شروط صارمة خاضعة لتجارب تستمر سنين طويلة قبل ان ينزل المنتج إلى الأسواق ويتداوله المستهلكون.
أما على مستوى السوق فهناك الكثير من الكوابح التي تسهم في ضبط شهية المصانع وأصحابها إلى المزيد من الكسب السريع، فهناك مجلة في فرنسا اسمها (ماذا تختار؟) مهمتها تجربة جميع المنتجات التي في السوق ومقارنتها للوصول الى المنتج الأفضل وتقديمه للمستهلك، أيضا السوق نفسها أصبحت حريصة على رضا المستهلك من خلال جعل خدمات ما بعد البيع على قائمة الأولويات في العملية.
القضية هنا أننا كدول عالم ثالث تحولت سوقنا إلى بئر كبيرة متسعة لمنتجات العالم ابتداءً من أعقد الأجهزة الطبية وانتهاء بأرخص المنتجات الآسيوية, دون أن يوازي هذا وعي تجاري واقتصادي، ودون ضمانات صيانة وخدمات ما بعد البيع، ودون محاسبة ومتابعة للمستغلين والشرهين, ودون كوابح واضحة ومحددة لأسواق يسيطر عليها الجهل, ورغبة عارمة في الامتلاك والاقتناء والكسب اليسير.
|