في مناهج المراحل ما قبل الجامعة..
ومنذ ما يقارب العقدين، دُعِيتُ في جامعة الملك فيصل في المنطقة الشَّرقية لإلقاء محاضرة للطالبات بحضور هيئة التَّدريس من الفاضلات في كليّات الجَّامعة.. وعهدي كلَّما دُعِيتُ لمجمع أن أتلمَّس (الحاجة) التي تجمعنا، وتكون محوراً لتوافقنا..، فالنِّساء أمهات، وأخوات، وزوجات، وعمات, وخالات, وفي كلِّ هذه الصفات الملتحمة بعلائق ووشائج الدَّم ما يجعل الإنسان بينهن محور الإنسان، لذلك كنت في لحظة التَّفكير في موضوع المحاضرة أضع هذه اللَّوحة أمام عينيَّ بخطوط علائقها.. فكان (الطِّفل) - بعيداً عن اختصاص مَنْ اختصَّ في علومه النَّفسيّة، والطِّبيّة، ونحوهما - محور اهتمامي وعلى وجه التَّحديد مجال ثقافته العامة المرتبطة باحتياجات الحياة من حوله، ثقافته الشَّاملة في الجوانب الَّتي تعزِّز احترامه وتقديره للشَّخصيات الفاعلة في التَّاريخ الإسلامي، ورموز البطولة الخلقية والسّلوك، وذوي الرأي، في مواقف تُثري الطِّفل بالقدوة والحنكة والوعي وتوسِّع مداركه، ثمَّ فيما يتعلَّق بالتَّغيرات والإضافات والمستجدَّات في حياة الإنسان، ومعارفه وعلومه وفنونه، وأفكاره، ثمَّ تقريبه من حضارات الأمم، وجوانب الإشراق فيها، بحيث لا يخرج هذا الطِّفل عن طوق المدرسة الابتدائية إلّا ويكون نهماً للاستزادة من الثَّقافة في المراحل الأعلى. وكان لابُدَّ أن يكون الوصول لهذا الموضوع بدراسة مضمون محتوى كتب القراءة والمحفوظات والتعبير بل الإملاء، والتَّاريخ..وو.. للوصول إلى ما يعزِّز إمكانية سعة ثقافة الدَّارس.
ووصفتُ للبحث منهجه، وبَسَطْت محتوى المقررّات موضوع الدِّراسة ومن بَعدُ ذهبتُ للجَّامعة المذكورة وقدَّمت البحث في محاضرة كان لها صداها.. ثمَّ عَرَضْتُ ملخَّصاً لها في كليّة البنات في الدَّمام بطلب من عميدتها حينذاك في اليوم الذي تلاه.
ومنذ ذلك الوقت، وبمقارنة بين ما كانت تقدِّمه المناهج لثقافة الطِّفل (الدَّارس) مع تدرُّج مستواه التَّعليمي، وبَيْن ما تُقدِّمه المناهج الآن.. يظلُّ المحتوى في وادٍ، والواقع في وادٍ آخر، فهناك فجوات كثيرة وبالغة الهوَّة، إذ الخلاصة أنَّ المناهج لا تساعد على إثراء ثقافة الدَّارسين، على الأقل في الحدِّ الَّذي تستدعيه المرحلة، بالنَّوعيّة التي يحتاج إليها الإنسان منذ نعومته.
وأظلُّ أوغر السَّير في درب هذا الموضوع..، ومن باب الدّعابة فإنَّني فقط أرجو ألّا ينهبه النَّاهبون كما تعوَّد الباحثون سرقة أعمالهم فكيف بأفكارهم. على الرَّغم من أن الأفكار بمعانيها كما قال الجَّاحظ مطروحة على الأرصفة. غير أنَّ هذا هو العذر الوحيد الذي يبرِّر به أولئك استلابهم لأعمال سواهم. وتوافقهم عليه قاعدة (يقع الخّاطر على الخّاطر كما يقع الحاضر على الحاضر).
ما يعنيني من هذا الموضوع، هو ضرورة الالتفات إلى مضامين محتوى المناهج، ومدى ملاءمتها للعصر الَّذي نجد فيه بأنَّ ما في العقول لا يناسب ما هو على أرض الواقع، فكيف تُردم مثل هذه الهوَّة الوسيعة؟!
|