أودعك يا والدي وفي القلب لوعة على فراقك. أودعك وقد اشتقت إليك وأنا أكتب هذه السطور في أول أيام فراقك.
اسأل الله أن يلهمنا الصبر على فراقك ويسكنك فسيح جناته. إن ما خفف الحزن عني أني لم أبكيك وحدي وإخوتي وأخواتي وأحفادك ولكن بكتك الرياض كلها.
كم أسعدني حب الناس لك لقد زرعت وحصدت أيها الجبل الشامخ بالخلق والتواضع وصلة الرحم.
لقد جعلت البعيد قبل القريب يتوافدون للعزاء بحب ودعاء صادق من القلب. لقد كانت محبتك دافعاً لجميع أقاربك ومحبيك ومَنْ سمع بمرضك يتوافدون إلى غرفتك في العناية ويدعون لك من وراء الباب دعاءً صادقاً لا زيف فيه وجعلت أحفادك الشباب الذين نما في قلوبهم حبك واحترامك يتسابقون على خدمتك في المستشفى ويتناوبون على مرافقتك وهم يقدمونها بسعادة وتقدير لفضلك الكبير على الجميع. رأيتهم في غرفة العناية وهم يتزاحمون مع أعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم على إلقاء النظرات عليك وتقبيل يديك. لقد كنت أزاحم معهم على تقبيل هذه اليد الطاهرة المعطاء للجميع وهذه الرِجل الطاهرة التي لم تمشي إلا للخير.
لقد رأيت هذا الحب في عيون الذين عملوا معك سنين طويلة من مدير مكتبك الرجل الفاضل الذي بكاك كأب له إلى العاملين في مكتبك ومنزلك الذين كان الحزن يخيم على وجوههم وهم يبكونك ويثنون على خلقك معهم وكلامك الطيب وكلماتك الرقيقة التي تسعدهم عندما تقول لأحدهم: (بارك الله فيك) لأي خدمة بسيطة يقدمها.
أسألُ الله العظيم أن يجعل صلة رحمك تصلك إلى الجنة وأن يجعلك ممن ذكرهم الحديث الشريف (أنتم شهداء الله في أرضه) ويجعلك ممن تفتح لهم أبواب السماء ونحسبك كذلك ولا نزكيك على الله.
|