(الفتنة نائمة، لعن الله موقظها)، لأن إيقاظ الفتنة فساد وإفساد، وخروج بحياة الناس عن طريق الرشاد، ولأنَّ الفتنة سببٌ في حدوث القلاقل، واختلال الأمن، واختلاف الناس، ولأنها - أيضاً - إرعابٌ وإرجاف، ولذلك كلَّه استحقَّ موقظ الفتنة اللَّعن والإبعاد من رحمة الله عز وجل.
إنَّ الفتنة ذات معانٍ متعدِّدة، لا تخرج معظم معانيها عن السوء والإفساد وإشعال نيران الخوف والقلق والاضطراب، فالفتنة: الإحراق، وهو واضح في قوله تعالى{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} والفتَّان الصائغ الذي يشعل النيران على المعادن لاستخلاصها، والفتَّان: المثير للفتنة والخلاف، والفتَّان: من أسماء الشيطان لأنه يفتن الناس عن الحق، والفتنة: الظلم والاعتداء وإهدار الحقوق، وهي خطيرةٌ لأنها تُضعف الأمة، وتقوِّي عليها أعداءها فيفرحون بما فيها من الفتن التي تضعفها وتهزُّها، ويظهر هذا المعنى في قوله تعالى {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي: لا تظهرهم علينا، فيعجبوا بذلك ويظنوا أنَّهم خير منا، وأنهم على حق لأنهم لم يقعوا في الفتنة التي وقعنا فيها.
والفتنة ذهاب العقل والمال بسبب افتتان صاحبه بباطل أو ضلال أو رغبة نفس وشهوة، والفتنة: الضلال والإثم، والفاتن: المضلُّ عن الحق، والفاتن: الشيطان.
وقد ورد في الحديث: (المسلم أخو المسلم يسعُهما الماء والشجر ويتعاونان على 'الفَتَّان')، وفي روايةٍ أخرى (الفُتَّان).
فأما الفَتَّان بفتح الفتاء - فهي تعني الشيطان الذي يَفْتِنُ الناس بخداعه وغروره، والفَتَّان أيضاً: اللَّص الذي يعترض طرقات الناس، وأمَّا (الفُتَّان) بضمِّ الفاء، فهم الذين يُضلِّون الناس عن الحق، ويفتنونهم عنه، ويثيرون الخلافات والاضطراب بأفكارهم الضالة، وأعمالهم المنحرفة.
وعلى الروايتين فإنَّ الحديث عظيم في بيان أهمية تعاون المسلمين على مواجهة كل صاحب فتنةٍ كائناً من كان، لأنه يحدِّد معنى الأخوَّة الإسلامية القائم على التعاون على الحق، وعلى البرِّ والتقوى، وعلى مواجهة أهل الفتن الذين يثيرون القلاقل، ويهزّون أعمدة الأمن والاستقرار.
(ويتعاونان على الفتّان)، هنا مكمن الأمر، فالتعاون الحقيقي على مواجهة الفتنة ومثيريها واجبٌ شرعي، وحقٌ لا يجوز للمسلمين أنْ يفرِّطوا فيه.
لأن الفتنة بمعانيها التي أشرنا إليها نارٌ حارقة، فهي تحمل معنى الخلاف والشقاق، والاعتداء على الحقوق، وتشويه الحقائق، ومحاربة العدل والحق والخير، ومحاربة دعاة الحق والخير، وهي _ إلى جانب ذلك - تحمل معنى القتل بغير حق، والقتال الذي يجري بين الناس.
وإذا أخذنا أبرز حدثين مؤلمين جريا في بلادنا الآمنة المستقرّة، وهما حدثا تفجير مبنى الإدارة العامة للمرور في الرياض، والقتل والسَّحْل الذي جرى في مدينة ينبع، وأردنا تصنيفهما فإنهما لن يخرجا عن معنى (الفتنة) الشامل بكل ما يحتويه من قتلٍ وترويعٍ واعتداءٍ ، وإشاعةٍ للاضطراب، وإرجافٍ للمجتمع الآمن، وإهدار للدماء وحقوق العباد.
إنه (إيقاظ للفتنة) في بلد الأمن، ومهوى أفئدة المسلمين.
ولهذا وجب التعاون من الجميع على مواجهة هذه الفتنة مواجهة حاسمة قولاً وعملاً ورفضاً لها ولأصحابها, ودراسة واعية لأفضل وسائل الخروج منها.
إشارة
قد تهدم السدَّ المشيَّد فأرة
ولقد يحطِّم أمّةً متهوِّرُ |
|