لقد حث النبي- صلى الله عليه وسلم- على تعلم القرآن الكريم وتعليمه فقال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) حديث صحيح، ولا غرو فكتاب الله عز وجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو كتاب هداية وإرشاد، أُنزل لإصلاح البشر، ومن هنا كان ولا يزال اهتمام المملكة العربية السعودية بتطبيقه منهجاً ودستوراً في سائر شؤونها، فالشريعة الإسلامية القائمة على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- بحق منهج متكامل شامل لجميع نواحي الحياة، متوافقة مع فطرة الإنسان وطبيعته منظمة لعلاقة الإنسان بربه لا إفراط فيها، ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، فشريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان وأمة، قال- صلى الله عليه وسلم- : (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) حديث صحيح.
وبهذه الرواسي الشامخة والمبادىء قامت دولة التوحيد عزيزة قوية مقيمة لحدود الله عز وجل بعدل وإنصاف لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، وما زالت هذه البلاد تنهل من هذا المعين الصافي والمورد العذب، وتسر على المنهج الصحيح بوسطية واعتدال وموضوعية واتزان وبصيرة وحكمة، فعقيدتنا اليوم هي عقيدة السلف الصالح صافية نقية.
وانطلاقاً من هذه المبادىء السامية جاء الاهتمام بكتاب الله عز وجل، فلقد أولت حكومة الحرمين الشريفين تعليمه وحفظه عناية كبيرة حيث أنشأت منذ فترة طويلة جمعيات خيرية لتحفيظ القرآن الكريم حتى عمت جميع أرجاء المملكة في الهجر والقرى والمحافظات والمدن والمناطق لتربط الناشئة بكتاب الله عز وجل للعمل بمقتضاه، وفهم معانيه وتفسيره، وبذلت في ذلك الكثير من الدعم والمادي والمعنوي، حتى غدا الكثير من الأبناء والبنات ممن حفظوا كتاب الله عز وجل منارات إشعاع فهم نماذج فريدة من البشر يمثلون منهجاً للحياة الراشدة جديرون بحمل رسالة الإسلام، استناروا بهدي القرآن الكريم وارتوت نفوسهم من معين السنة النبوية المطهرة، فشخصية المسلم هي شخصية اجتماعية راقية كونتها مجموعة كبيرة من مكارم الأخلاق نطقت بها نصوص هذ الدين الحنيف من قرآن كريم وحديث شريف، وجعلت التخلق بها ديناً يُثاب المرء عليه، ويحاسب على تركه، فاستطاعت بذلك أن تجعل من شخصية المسلم الصادق نموذجاً فذاً للإنسان الاجتماعي الراقي المهذب النقي الخير.
إن المسابقة المحلية لجائزة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لحفظ القرآن الكريم دليل جلي على حكمة ولاة أمر هذه البلاد، فكانت هذه المسابقة من أبرز الأعمال الخيرية التي شجعت وتشجع النشء على العناية بكتاب الله عز وجل والتنافس في حفظه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (من سن سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) سنن ابن ماجه، فجزى الله سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز كل خير على ما قدم وكتب ذلك في موازين أعماله الخيرة.
وقوام مكونات شخصية المسلم الاجتماعية وقوفه عند حدود الله في سلوكه الاجتماعي، وفي معاملته للناس، فمن هذا الأصل العظيم من أصول العقيدة الإسلامية تتفرع الأخلاق الاجتماعية التي يتحلى بها المسلم التقي في سلوكه وعلى هذا الأساس المتين يقيم علاقاته الاجتماعية مع الناس.
وإن الباحث المستقصي لنصوص التوجيه الاجتماعي في الإسلام يجد حشداً كبيراً من نصوص القرآن والسنة تحض على كل خلق من الأخلاق الاجتماعية الرفيعة مما يدل على عناية الإسلام البالغة في تكوين شخصية المسلم الاجتماعية تكويناً دقيقاً فيقف عند كل جزئية من الجزئيات الخلقية التي تتكون منها جوانب الشخصية الاجتماعية المتكاملة.
هكذا تتكون شخصية الناشئة التي ترتوي نفسها من معين حلق القرآن الكريم حين تتعايش في ظلاله، وتنهل من هديه القويم قال عز وجل: { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }سورة المائدة الآيتان 15 - 16.
فهل تبقى بعد ذلك مساحة لمن عميت أبصارهم وقادهم الهوى وأثارهم الحقد والحسد أن يقدحوا في الرعاية والاهتمام بأصول شريعتنا الغراء فيزعمون باطلاً أن تعلم كتاب الله والعناية بتعليمه دعم للإرهاب والانحراف.
لقد قامت بلاد الحرمين تحت راية التوحيد بفضل الله عز وجل، ثم برجالها المخلصين رائدها وقائدها كتاب الله وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- وستبقى بإذن الله سائرة إلى الأمام بخطى ثابتة وواثقة منصورة بإذن الله لا تزيدها الشائعات المغرضة إلا قوة وشدة في الحق وحرصاً على التمسك بشرع الله تعالى.
( * ) مديرة الإشراف التربوي بمحافظة القطيف |