{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}
هذه هي الحقيقة الوجودية التي لا مراء فيها بين الناس.
إلا أنه - ومع التسليم بقضاء الله وقدره - فإن النفوس جبلت على حب البقاء.. وحب من أَلِفتْه وأَحبَّتْه في دروب الحياة.. ولذلك فهي تأسى وتألم لفقد عزيز أو حبيب أو صديق، أو صاحب ذكر جميل لدى وطنه ومجتمعه.
وخير الناس من إذا ذكر اسمه دُعيَ له وتُرحِّم عليه. وهو معنى ما جاء في حديث (أنتم شهود الله في أرضه).
ثم إن عاطفة التأثر على أي فقيد.. تضيق وتتسع.. حيال ما زرعه هذا الفقيد.. أو ذاك.. من حقول ترِفُّ بها أشجار الخير والصلاح لذاته وأسرته - أولاً - ثم امتداد ذلك إلى عيال الله - ثانيا - (الناس عيالُ الله، وأحبهم إليه أحبهم لعياله) الحديث.
فهذا الصنف المميز من الناس، رجالاً ونساءً، هم الصنف الأجمل الأجمل في الحياة. ولذلك يكون فقدهم فقداً مؤثراً في مجتمعهم. إلا اذا كان الراحل قد خلّف خصال الخير فيمن بعده..! وهذا هو المعروف المستفيض عن أسرة فقيد المجتمع الاقتصادي محمد بن عبدالله الجميح - رحمه الله - صاحب الأيادي البيضاء.. ليس على مدينة الرياض التي نبت فيها ريشه حتى أصبح احد (صقور) الاقتصاد السعودي النشطاء واحد أعمدته.. ولا في مدينته التي ولد فيها (شقراء) والتي زرعها بكل ما يسعد ساكنيها، بل هو أحد الذين قامت عليهم نهضة البلاد، اقتصادياً، واجتماعياً.. وكان لثروته وأسرته آل الجميح.. امتدادات أفقية أسهمت في أعمال البر والنفع العام لخير المجتمع.
***
وأنا لست لصيقاً بأسرة آل الجميح الأفاضل.. حتى أعرف الكثير عن أعمالهم الخيرية.. ولكن سمعتهم الطيبة.. وصْيتَهم المدوي بالثناء والتقدير لما بذلوه لوجه الله.. كاف لجعلهم قدوة حسنة لغيرهم.. ومثالاً يحتذى في التنافس والتسابق نحو مناهل البر والتقوى.
***
عرفت الأخ محمد العبد الله الجميح قبل أربعين عاما، اي منذ بنى وأسرته مسجداً جامعاً تابعاً لمجمعهم السكني في (الملز) جنوب شارع الجامعة.. وكنت أسكن حينذاك في شارع الجامعة، ولم يكن في حي الملز إلا مسجدان.. مسجد الجميح هذا والمسجد الذي عرف بجامع الشيخ يحيى بن حسين في غرب شارع جرير. فكانت المعرفة بآل الجميح بواسطة جامعهم، وأنعم بها وسيلةَ معرفةٍ برجال أخيار.. وعرفت في أبي عبدالله، وأبناء أخيه عبدالعزيز، وهم محمد وعبدالرحمن وحمد.. دماثة الاخلاق وبشاشة الوجه، والاستقامة على طاعة الله.. وقد أوقفوا مجمعهم السكني في الملز على (جمعية البر بالرياض) بعد انتقالهم إلى مجمعهم الحالي.
وهذا الوقف جدول من نهر عطائهم لجمعيات البر.. والجمعيات الخيرية العديدة.
***
ما أكثر الذين يملكون (المليارات) في بلادنا.. ولكن ما أقل استفادة الوطن منهم.. أما الجميح.. وآخرون مثله يعدون على اصابع اليد الواحدة.. فهم ذخيرة هذا الوطن.. لأن الله جل وعلا جمع لهم بين نعمتي (الدين والدنيا) فعرفوا حق كل منهما على الآخر. لنفع المجتمع ومعالجة مشكلة الفقر فيه ودعم مشاريع الخير والنماء لخير الوطن والمواطن والمقيم.
ما أحسن الدين والدنيا اذا اجتمعا
لا بارك الله في دنيا بلا دين
في إحدى الحروب أُسِرَت ابنةُ حاتم الطائي.. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق سراحها.. وقال معللا تفردها بهذا العطف عليها: (إن أباها يحب مكارم الأخلاق).
نعم وهو القائل:
أماويّ إن المال غاد ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
رحم الله أبا عبدالله الجميح وأسكنه فسيح جناته.
|