المضادات الحيوية هي نعمة كبيرة من النعم المستخدمة في المجال الطبي وهي تستخدم في القضاء على البكتريا الضارة لجسم الإنسان والتي تسبب له كثيراً من الالتهابات والأمراض الخطيرة والمعدية ولولاها لشاهدنا مئات، بل ملايين من الناس يموتون نتيجة التهابات بكتيرية قد تكون بسيطة ولكنها تصبح قاتلة إن لم تكافح ويقضى عليها مباشرة بالمضادات الحيوية.
وكما نعلم جميعاً أنه لا يوجد أي دواء بدون مضاعفات فإن المضادات الحيوية من أكثر الأدوية التي تسبب مضاعفات وخصوصاً إذا استخدمت بدون وصفة طبية من طبيب مختص. ومن هذه المضاعفات: فقر الدم ومقاومة البكتريا للمضادات الحيوية وتلوين الأسنان وخاصة عند الأطفال وفقدان السمع والإسهال عند بعض المرضى كما أن لها تأثيراً ضاراً على الأجنه إذا استخدمت مع الأمهات الحوامل بدون استشارة طبية.
وقد أظهرت دراسة طبية حديثة (2003) وهي الأولى من نوعها، أن تناول المضادات الحيوية لمدة طويلة يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى السيدات. وقد شملت الدراسة أكثر من عشرة آلاف امرأة في ولاية واشنطن بأمريكا وقد دلَّت على أن النساء اللاتي استخدمن المضادات الحيوية تتضاعف عندهن فرص الإصابة بسرطان الثدي. وخلال مدة البحث (سبعة عشر عاماً) وجد الباحثون أن النساء اللاتي تلقين أكثر من خمس وعشرين وصفة طبية من المضادات الحيوية أكثر عرضة بمعدل الضعف لخطر سرطان الثدي بالمقارنة مع نساء أخريات لم يأخذن أي مضادات حيوية في نفس المدة كما وجد أيضاً أن خطر المرض أقل في النساء اللاتي أخذن مقادير أقل من المضادات الحيوية، وثبت أيضاً أنه حتى النساء اللاتي أخذن ما بين وصفة إلى خمسة وعشرين من المضادات الحيوية كن أكثر عرضة بمعدل مرة ونصف المرة للإصابة بسرطان الثدي.
وقد أجريت الدراسة على أساس استبعاد احتمال أن تكون النساء اللاتي تداوين بالمضادات الحيوية عرضة بطبيعتهن البيولوجية لسرطان الثدي لأسباب أخرى كضعف الجهاز المناعي أو اضطراب الهرمونات وهما السببان الرئيسان لزيادة خطر سرطان الثدي مع استبعاد تاريخ سرطان الثدي في الأسرة أو العلاج التعويضي بالهرمونات أو احتمال أن تكون النساء اللاتي يتداوين بالمضادات الحيوية أكثر عرضة للكشف عن إصابتهن بسرطان الثدي لأنهن أكثر تردداً على الأطباء. وكان تفسير الباحثين لتلك العلاقة بأن المضادات الحيوية يمكن أن تزيد خطر سرطان الثدي عبر التأثير على البكتريا التي تعيش داخل الجهاز الهضمي بشكل يتداخل مع عملية التمثيل الغذائي لأطعمة قد تقي من سرطان الثدي أو أن المضادات الحيوية تزيد من هذا الخطر عبر التأثير على النظام المناعي في السيدات.
وكانت الدراسة منظَّمة لدرجة أن نتائجها صدمت الخبراء الذين تساءلوا عما إذا كان لاستخدام المضادات الحيوية ذلك الخطر الكبير أم لا. وسارع العلماء لتفسير نتائج الدراسة وقالوا إنه لا يفترض أن تمنع النساء من استخدام المضادات الحيوية والتي غالباً ما تفيد في إنقاذ حياة المريضة المصابة بأمراض بكتيرية إنما حدوا من استخدام المضادات الحيوية وطالبوا بإجراء مزيد من الأبحاث قبل إصدار قرار حازم بهذا الشأن.
ولحين ثبوت صحة ما ورد في الدراسة فإن النتائج تعطي سبباً إضافياً لكي يتريث الأطباء قبل وصف المضادات الحيوية وخاصة مع النساء اللاتي ربما يكن عرضة لسرطان الثدي.
وأخيراً وليس آخراً فمحاكمة المضادات الحيوية ما زالت مستمرة وقد نكتشف لها عيوباً جديدة، ومازالت القضية مفتوحة ولنا حديث آخر في وقت آخر.
( * ) استشاري الميكروبيولوجي والمناعة والفيروسات
مدير المختبرات بمستشفى الحمادي بالرياض |