Monday 3rd May,200411540العددالأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
الحماية الاجتماعية
عبدالله بن بخيت

فكرت كثيراً بالطريقة التي يجب أن أكتب بها هذا الموضوع. انتظرت لأرى رد فعل كثيرٍ من زملائي الكتاب على الخبر الذي نُشر في هذه الجريدة وربما في الجرائد كلها. فالأمر كبير وجزء أساسي من التغيرات التي تشهدها المملكة على كافة الأصعدة. وخصوصاً أنه يتصل بشكل مباشر بالتعاطي مع مفهوم الأسرة التي تركت في الأزمنة الماضية نهباً للتغيرات الفوضوية والتوجهات الطالبانية.
اعتاد الناس على أن الأب حالة متعالية لا يمكن أن يؤذي أطفاله. وقد ربطت مسألة التدخل لحماية الأطفال من ذويهم أو الزوجة من زوجها بأنها شيء دخيل علينا وبتأثير مباشر من الصهيونية العالمية. وأي محاولةٍ من أي كاتب في تلك الفترة لمناقشة العلاقة بين الأب وبين عائلته كانت محاولته تقابل بالاتهام والتشكيك وتنسب على الفور إلى النوايا الحداثية العلمانية.
قدر لي أن أراقب حالة غريبة تقع أمامي (تقريباً) بشكل يومي مدة أربع سنوات. عند الساعة الثانية والنصف أو الثالثة ظهراً يعود الرجل من عمله. وقبل أن يبدأ يومه العائلي (باسم الله) كما يفعل الناس نسمع على الفور صراخ امرأة. وبعد نصف ساعة يهدأ الصراخ ويعود الهدوء إلى الشقة. سألت حارس العمارة. فقال هذا الرجل مجنون يضرب زوجته يومياً. أكلني الفضول. كنت أتمنى أن أسمع الحوار بينهما أثناء المشاجرة. ولكن لم أجد أنه من اللياقة أن أتصنت على الجيران مهما كانت النوايا. ناقشت الأمر مع أصدقائي فلم نصل إلى الأسباب التي يمكن أن تدفع الرجل لضرب زوجته والاستقواء عليها. وبالطبع لم نصل إلى سبب واحد يؤدي بالرجل الى ضرب زوجته كل يوم وفي نفس الموعد. والشيء الذي دفع المسألة إلى المزيد من التعقيد أن تلك الزوجة لم تقم أي علاقة مع النساء من سكان العمارة، مما جعل تلك الحالة تخرج من حياتي دون تفسير.
هذه ليست الحادثة الوحيدة التي شهدتها بنفسي. أتذكر قبلها بسنوات قليلة كنا نسهر عند أحد الأصدقاء. ومع اقتراب الساعة من الثانية عشرة ليلاً طلب منا مضيفنا أن نصمت ونصغي وبعد دقائق بدأنا نسمع صراخ مجموعة من الأطفال مصحوباً بصراخ أنثوي. فقال مضيفنا. ما سمعتموه هي الوجبة اليومية التي يجريها جاري لعائلته. في مثل هذا الوقت من كل يوم يقوم الرجل بضرب زوجته ومطاردة أطفاله في أرجاء الفلة وضربهم. من باب النكتة فقط أن نتصل بالشرطة ونطالبها بالتدخل لحماية المرأة والأطفال من الأب.
ربما يتذكر بعض الإخوة القراء أني كتبت قبل سنتين أو ثلاث عن الرجل الذي منع رجال الدفاع المدني بالطائف من التدخل لإنقاذ أسرته من الغرق بدعوى عدم تكشفها للرجال. تفهم رجال الدفاع المدني بالطائف موقف الرجل الشهم, ومن باب براءة الذمة فرض رجال الدفاع المدني (بالطائف) على الرجل أن يكتب تعهداً يتحمل بموجبه المسؤولية لو حدث لزوجته أو أبنائه أي مكروه وضع رجال الدفاع المدني بالطائف التعهد في جيوبهم ورحلوا مرتاحي الضمير. تموت المرأة أو يموت الأطفال فالتعهد موجود ولله الحمد. الدفاع المدني بالطائف انطلق من ثقافة تسود عقول كثيرٍ من الناس. تؤكد هذه الثقافة على أن الرجل هو أن الزوجة والأطفال ما هم إلا جزء من ممتلكات الرجل الشخصية.
هذه الثقافة يفترض أن تكون محور الإدارة العامة التي أنشأتها وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخراً تحت مسمى (الإدارة العامة للحماية الاجتماعية). أتمنى أن تعمل هذه الإدارة على صعيدين: الأول حماية الأطفال والنساء بشكل عملي وأن تتابع ذلك مع الجهات ذات الاختصاص كالشرطة والمحكمة وغيرهما من الأجهزة بما فيها الدفاع المدني بالطائف. والصعيد الثاني وهو الأهم أن تعمل على المستوى النظري والعلمي. بحيث تتحمل مسؤولية تغيير المفهوم القديم في العلاقة بين الأب وعائلته.
ان مجرد التفكير بإنشاء إدارة تحت هذا المفهوم هو دلالة على تغير نوعي طرأ على المجتمع. ومن باب الأمانة أقول منذ أن تسلم الدكتور علي النملة مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية بدأت الاحظ أن الوزارة أخذت تعيد بناء نفسها على أسس إنسانية حقيقية.. ولو لم يفعل معالي الدكتور علي النملة في هذه الوزارة سوى إنشاء هذه الإدارة لكفاه مجداً. وفقه الله وأرشده إلى طريق الصواب دائماً.

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved