Monday 3rd May,200411540العددالأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المسلمون شهود الله في أرضه المسلمون شهود الله في أرضه
د.محمد بن سعد الشويعر

لئن غيّب الثرى الشيخ محمد بن عبدالله الجميح، الذي انتقل إلى رحمة الله مساء الاربعاء 9-3-1425هـ, وصلى عليه عِلية المجتمع عصر الخميس في جامع الإمام تركي بن عبدالله، فإن أعماله باقية، وآثاره محمودة عند المسلمين في كل موقع، الذين هم شهود الله في أرضه، كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم عن دور الثناء على الإنسان بالخير والصّلاح، بعد وفاته، مما يوجب له الجنة، فندعو الله له بذلك، وأن يتقبله مع الصّديقين.
فالشيخ محمد الجميح الذي أفنى عمره في فعل الخيرات، والدعوة إلى المكارم: خلقاً وبذلاً، ولم تصرفه مشاغل الدنيا التي فتحها الله عليه، قد أجفل محبّوه، وعارفو أياديه البيضاء، منذ قرع أسماعهم نبأ رحيله، الذي وقع عليهم ثقيلاً مؤلماً، لكن إيمانهم بقضاء الله وقدره، وأن طريق الموت ممهد لكل عابر، وحِمَامُهُ يتجرعه كل حيّ على وجه الأرض: قدراً محتوماً، وقسمة عادلة لا مفر من ذلك: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26- 27) سورة الرحمن.
لقد أجمعوا على الثناء، وتعداد مآثره في الجود والكرم, ومساعيه في سبيل الخير والبحث عما يسرّ أصحاب الحاجات ويفرج كرباتهم، صدقات وإعانات، وتفقداً وعطاء، وبناء مساجد ودور علم، ومساعدة للمعوزين من فقراء ويتامى وعوناً للأرمل، أخذاً من هذا الحديث: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
وبحكم عملي: فإنني لا أذكره ردَّ طلباً لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، ولا لخلفه، بل كان معيناً لهما في كل عمار يزكونه له..
لقد أجفل القاصي والداني في تعداد مآثره والدعوة له: القاصي والداني، فالقاصي بما قرع سمعه وشاهدت عينه عن أسرة الجميح، وعميدها الشيخ محمد من أعمال تتحدث عن نفسها، وإن كان لم ير أحداً منهم، لما لديهم من مسابقة إلى الخيرات، امتثالاً لأمر الله، واستجابة لكل ما يرغّب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستئناساً بما يصلهم من تزكية العلماء.
فقد كانت السجايا الحسنة، والطباع الحميدة، خلقاً ثابتاً في هذه الأسرة، لا تكلف فيها، عرفت بها كابراً عن كابر في بلدهم شقراء: بذلاً وعطاء، وتفقداً وكرماً، يبحثون عن سبل الخير، ويتتبعون المستحق والمتعفف، ولا يتركون الداني، بل يسعون إليه بحسب احتياجه: إما بحسن الخلق أو التسامح أو عرض الجانب للمساعدة، أو بغير ذلك من الطرق، التي عرفوا بها، وجهدوا في سبيلها.
حيث لم يقتصروا من أولهم إلى الآن، حتى من يقرع بابهم ويعرض حاجة عليهم: خلقاً جبلوا عليه، وإحساسا استوطن في نفوسهم، وعرفه عن أوائلهم أهالي شقراء، وعن الشيخ محمد وابناء أخيه من تتبع سيرهم، لأنهم يبحثون عن المتعففين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.. تستراً وحياء، فيمسحون العبرات والدموع ويمدون بخفاء وخاصة في ظلمة الليل التي لا شاهد فيها إلا الله والحفظة الكاتبون.
والقاصي.. وخاصّة في السنين الأخيرة.. حفزته السمعة الحسنة، والذي سارت به الركبان، فأدرك بعد ان ضاقت به السبل، عنده يكون للمساعدة اياً كان نوعها: طعم خاص ومذاق لا يحسّ به إلا المُعان نفسه: سواء بالأخذ به حتى يجد طريقاً شريفاً للكسب، أو توجيهاً لأنواع من الأعمال تخف على صاحب الحاجة، أو مشورة تفتح أفقا أمامه، أو شفاعة يهيئ الله لها سبيلاً ميسراً، تفتح له أبواب الرزق التي قسمها الله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).. وقد عايشت كثيراً من ذلك بحكم قربي من هذه الأسرة وصداقتهم مع والدي رحمه الله.
فهذه الأسرة توارثت الأعمال الخيّرة، والسجايا الحميدة، جيلاً بعد جيل. كبرت أعمالهم في هذا الميدان ضمن أعمال عميد هذه الأسرة: الشيخ محمد العبدالله - رحمه الله - وأبناء أخيه محمد وعبدالرحمن ومحمد، الذين أحيوا مكانة والدهم عبدالعزيز بالجود والكرم.. أعانهم الله، ثم في أولاد الجميح الذين نرجو ان تتأصل فيهم مآثر من سبقهم، لأن التشبه بالكرام من أجود الصفات..
جعلهم الله جميعاً خير خلف لخير سلف. غفر الله لأمواتهم، وجبر الله مصيبتهم في عميدهم، وكأن هذه الأسرة : سابقاً ولاحقاً - وخاصة الشيخ محمد - رحمه الله - يتواصون بما قاله الإمام الشافعي، أو عناهم بأمر أحبوه عندما قال:


الناس بالناس ما دام الحياة بهم
والسعد لا شكّ تارات وهبّات
وأفضل الناس ما بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعنّ يد المعروف عن أحدٍ
ما دمت مقتدراً فالسعد تارات
واشكر فضائل صنع الله إذْ جُعلَتْ
اليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات

وهذه الطبائع ستبقى بعد الشيخ محمد - رحمه الله - ذكرا حسناً عند الناس، وشهادة صدق يدّخرها الله له في موقف هو أحوج ما يكون إليه؛ دعاء من قلوب صافية، واشادة طيبة من افئدة مخلصة، ترصدها الحفظة الكرام، في صحيفته ، بعد ان فارق دار العمل، وذهب إلى دار الجزاء، وصدقة جارية - إن شاء الله - ينفعه الله بها ما دامت مستمرة، سواء في المشروعات الخيرية، أو في طباعة الكتب وتشجيع العلم، الذي هو من العلم النافع الذي ينتفع به، أو في مساعدة الأيتام، حيث حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وبيّن أجر المسح على رأس اليتيم، فكيف بكفالته وعلاجه، وفي رعاية الأرملة وما إلى ذلك من أعمال خيرية، تذكر له فتشكر بالدعاء، وبالقدوة الحسنة، ثم في الولد الصالح الذي خلفوه جميعاً وسار على منهجه في العمل إلى الدعاء له، وبإحياء ومتابعة ما كان يسير عليه، في سبيل الخير، الذي لم تصرفه عنه المشاغل الكثيرة، ولا أعمال الشركات التي تحت إدارته، ليحتذوا دربه، ويتأسوا بطريقته.
ذلك أنه - رحمه الله - لا يشغله الأمر الدنيوي عن هدفه الأخروي، حيث جعل هدفه هذا القول المأثور طوال حياته: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وأعمل لآخرتك كأن تموت غداً).
فرحم الله الشيخ محمد بن عبدالله الجميح رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جناته، لفقد كان فريداً في أخلاقه ومعاملاته، حريصاً على تنقية ما تحت يده ليؤدي حق الله فيها، قد جمع الله فيه من الصفات الحميدة أوفرها، وأعانه على تسخير ما أعطاه الله على منهج يريد به وجه الله، فنفعه الله بشهادة الشاهدين العارفين به حقاً وصدقاً، ودعوات المعزّين المتألمين من فراقه، وجعل الله في أبناء أخيه عبدالعزيز وهم: محمد، عبدالرحمن، وحمد، وفي أبنائه كلهم وأولاد الجميح الخير والبركة، ليقتفوا أثره وأثر أسلافهم المشهود لهم بالفضل والجود.
وعوّض الله الجميع عن الفقيد بالصبر والسلوان والاحتساب عند الله. فله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار، وأعانهم على العمل الحسن وبذل المعروف، حتى يكون الجميع كما قال الشاعر:


وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لما روى

ولا نقول إلا ما قاله الصابرون والمحتسبون: { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } وما حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: (اللهم أجرنا في مصيبتنا، وأخلف للجميع خيراً منها) والحمد لله على كل حال.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved