هنالك هندسة إعلامية متقنة، وتوجيه إعلامي مدروس يقف وراءه خبراء التضليل الإعلامي في أمريكا وغيرها من الدول التي تجيد صناعة الإعلام.
المعارك التي دارت أخيراً في العراق، ومعارك (الفلوجة) بصفة خاصة، كانت صورة متوحشة للمحتل؛ لأنها معارك تدمير متعمَّد، فيها تستخدم الطائرات والدبابات والصواريخ ضد شعب أعزل، بحجة محاربة المقاومة، وغضباً لتلك الجثث التي مُثِّل بها، ومطالبةً بتسليم مَنْ قاموا بذلك التمثيل.
وهنا تكمن حقيقة الانحراف الخلقي في مسيرة الدولة العظمى التي تنادي بالديمقراطية والإصلاح؛ حيث أصبحت القوانين الدولية أمام سلاح هذه الدولة الفتَّاك هباءً لا قيمة له، وأصبحت تصريحات هيئة الأمم حبراً على ورق، تثير الشفقة والسخرية. لقد أثبتت دولة الاحتلال الأمريكي في العراق أنها لا ترى للديمقراطية مكاناً في التعامل مع الضعفاء والمغلوبين على أمرهم، وأنَّ الرَّحمة تختفي حينما يكون المقتول غير أمريكي، ولو كان من أفضل الناس، وأكثرهم هدوءاً ومسالمة، بينما تظهر تلك الرحمة حينما تموت كلبة الرئيس الأمريكي، فيعبِّر عن حزنه على فقدها ويبكي.
أين تتمثل الهندسة الإعلامية؟
إنها تتمثل في رسائل الإلهاء والتشويش التي تنطلق في الوقت المناسب، فتصرف إليها الأنظار، ويبدأ المحلِّلون، وعاشقوا الظهور الإعلامي، والمُغرَمُون ببرامج التهويش والتهريج يناقشون ذلك الطُّعم الإعلامي، ويشغلون به الناس عن الجريمة الأكبر، والحقيقة الأعظم.
لماذا لم يظهر تقرير تعذيب الأسرى العراقيين إلا في هذه الفترة التي تُذبح فيها الفلوجة من الوريد إلى الوريد؟! ولماذا اختفت هذه الصور التي أبدع المهندس الإعلامي في اختيارها زمناً طويلاً، ولم تظهر إلا في الوقت الذي تُدَّمر فيه منازل الشعب الأعزل في الفلوجة وغيرها من المدن العراقية المقاومة تدميراً لا يُقِرُّه عقلٌ ولا عُرفٌ؟!
ولماذا يظهر الرئيس الأمريكي بهذا الوجه الحزين، وبهذه اللهجة الواضحة في رفض تعذيب الأسرى العراقيين في الوقت الذي يصدر فيه أوامره لضرب الأحياء العراقية بلا هوادة، وفي الوقت الذي استخدمت فيه القنابل العنقودية المحرمة دولياً؟!
ولماذا تركِّز بعض القنوات (الحرَّة؟!) على إبراز موضوع صور تعذيب الأسرى العراقيين في هذه اللحظات بالذات؟!
وهل يمكن أن نتأمل الصور الإعلامية التي سُمِح بنشرها لموضوع التعذيب لنرى كيف كان اختيارها دقيقاً من بين آلاف الصور الدموية التي هي أشنع وأعظم، ولكننا لم نرها لأن المهندس الإعلامي المحترف لا يريد ذلك؟!
إنَّ مأساة العراق شاملة كاملة، شبيهة في الإخراج والتنفيذ والإعداد بمأساة فلسطين، وإن قضية العراق تتمثل في احتلالٍ كاملٍ له من دول ادَّعت أنها جاءت لإنقاذه من ظلم حكومته السابقة.
يا مَنْ شغلتهم رسائل (الطُّعْم الإعلامي) الخاصة بصور الأسرى العراقيين، لا تَنْسَوْا أن العراق أسيرٌ، وأنه يعاني من معاملة قاسية سيئة جداً، لا تُقِرُّها القوانين ولا الأنظمة، أما شريعة الله سبحانه وتعالى فهي منها براء.
إشارة
صورةٌ شوهاء لا ينفع فيها
بُوقُ إعلامٍ ولا عُذْرٌ مُهَلْهَلْ |
|