قد يكون التضخم على مفترق طرق يتأهب بعد انحدر طويل ، ويبدو أن معدلات الفائدة على وشك الاتجاه صوب الارتفاع، كيف ينبغي أن يتعامل المستثمرون مع هذه التطورات ؟ وماذا تكون التداعيات في حقل الاستثمار؟. ان الجواب المختصر على هذه التساؤلات هو أن انه لن يكون بالضرورة من نتائج هذه التطورات سلبيات رئيسية مهمة على الأسهم، رغم انها قد تؤدي إلى مجموعة عائدات سلبية في سوق الدخل الثابت. فنحن سنعالج هذا الموضوع بتفاصيله ونقدم اقتراحات محددة فيما يلي من فصول.
* ان إحصاءات الولايات المتحدة الاقتصادية والتضخمية الأخيرة توحي بان الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أوشك أن يصل إلى هدفه وهو ضخ السيولة من اجل النمو الاقتصادي ، واتخاذ خطوات تؤدي إلى إنهاء الدورة التقلصية. كذلك تظهر المعطيات أن الدورة الاقتصادية الطويلة الأجل في اليابان قد أخذت اتجاها عكسياً إيجابيا وان انكماشها اللولبي بات حطاماً.
* ثم ان أسعار الأصول، دون استثناء تقفز حول نقاط التحول. وفي رأينا أن آخر نقطة تحوّل مهمة قد حصلت في مطلع 2003م، عندما ابتدأ النهوض الاقتصادي العالمي. فاسعار الأسهم والسلع ما فتئت ترتفع منذ ذلك الوقت، وهكذا نبقى على اعتقادنا أن عام 2004م، وهو يُعتبر نقطة التحول في الاقتصاد، سيرتبط فعلياً بالتضخم وبمعدلات الفائدة المرتفعة.
* واذا كان ذلك فعلاً نقطة تحول في التضخم، ففي اغلب الظن أن سياسة الولايات المتحدة النقدية ستصبح بدورها موضوعاً استثمارياً ذا شأن. فغالبا ما يعني التحوّل بالتضخم تحولا في موقف الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) حيث يمكننا جدلاً أن نقول ان (التضييق الخطابي) قد انطلق في كانون الثاني ( يناير) عندما تخلّى مهندسو السياسة النقدية عن عبارتهم(مدة مهمة) ومن المرجح أن يستمر التضييق الخطابي في الأشهر القادمة إذا ارتفعت العمالة وأرقام التضخم.
* ونعرف أن الاحتياطي الاتحادي هو (وراء المنحنى) المرتبط بالنمو، حسبما يُستدل من ارتفاع أسعار السلع. ولكن ما لا نعرفه هو إلى اي مدى سيبقى الاحتياطي الاتحادي (وراء منحنى التضخم) ففي اعتقادنا سيقبل المركزي بارتفاع معتدل بالتضخم، الذي يرجح أن يرتفع في كل حال بسبب الظروف العالمية للعرض والطلب.
* ومن الوجهة الاقتصادية نرى أن الأموال الفدرالية، في أسوأ الأحوال، ستعود إلى مستوى حيادي أي إلى 2% لا إلى معدل تضييقي وهو 3% لكن من الممكن أن يتغير ذلك التوقع إذا انطلقت جذور التضخم في أسواق رأس المال والعمل. وهنا يتوجب الانتباه إلى أي إشارة تصدر على تلك الجبهة كارتفاعات حادة في العمالة أو في مؤشر أسعار الاستهلاك أو في معدل استخدام قدرات الإنتاج.
* ان دورات التضييق الثلاث التي اتخذها المركزي وابتدأت في 1987 و1994م و1999 تزامنت مع دورات ارتفاعية في التضخم. فالجدول المرفق أدناه يُظهر مجموع العائدات لأصناف الأصول الرئيسية في تلك السنوات:
السنة السندات النقد الإسهام
1985 300% + 5% + 5%
1994 800% + 4% + 1%
1999 900% + 5% + 21%
هذا ما هو مسجّل في زمن مضى. لكن ماذا ينبغي أن يتوقع المستثمرون عام 2004م وماذا يجب أن يفعلوا؟ إليكم بآرائنا في هذا المجال.
مهما كانت أسعار الفائدة التي سيستقر عليها المركزي، فيرجح أن ترتفع عائدات السندات الحكومية، فالانتعاش بالوظائف في الولايات المتحدة والدورة التضخمية والرواج الاقتصادي في اليابان تصبح مزيجاً سلبياً قوياً في سوق السندات الحكومية. وفي اعتقادنا أن عائدات السندات الحكومية اليابانية تتجه صوب 2% وعائدات السندات استحقاق السنوات العشر تتجه إلى 5.5% وفي رأينا، عن المستثمرين العالميين, في تناوبهم لتوظيف أموالهم أن يتجهوا صوب السندات الحكومية الأوروبية.
أما فيما يتعلق بالأسهم فالصورة تختلف في السنوات الأخيرة. سجلت الأسهم عائدات سلبية عند بدء الكساد الاقتصادي (1990و2000) وفي فترات الهواجس المتصلة بانخفاض الأسعار (2001و2002) ويُرجح ألاّ يحصل أي منها في هذا العام. فعليه أن فترة العائدات المرتفعة كانت تتجه إلى وضع ضغوط على الأسهم والحد من السيولة وبعث هموم التقييم (ان فقاعة 1999) هي استثناء صارخ لوجهة النظر هذه) وفي المحصلة ان الأسهم تتجه إلى التحقق من (عمق المياه) على اثر الارتفاع في معدلات الفائدة وتواصل اتجاهها الصاعد بعدما يحصل الاستقرار في سوق السندات.
* اننا لم نغير استراتيجية ذات الحدين. وان كانت الأسهم اليابانية والآسيوية قد بالغت نوعاً ما بارتفاعها في الأمد القصير، لكن لا يزال لديها مجال للارتفاع اكثر في السياق الطويل حسب رأينا. اما في السوق الأمريكية إذا تحقق قريبا التضييق النقدي الذي نخشاه، فحينئذ يكون من الحكمة أن يوظف المستثمرون أموالهم مداورة مبتعدين عن الأسهم ذات التقلبات القوية والتي أحرزت نجاحا في سنة 2003 ويوظفوا في القطاعات ذات الجودة العالية كالمواد الاستهلاكية والعناية الصحية. وفي المحصلة ستنوء الأسهم المالية تحت وطأة الارتفاع في عائدات السندات. وفي اعتقادنا أن صعودا في اسهم الشركات المالية من الآن إلى شهر أو شهرين قد يكون فرصة مناسبة لبيعها. فالتضييق التدريجي , الذي نتوقع أن يقوم به الاحتياطي الاتحادي في البدء، من شأنه أن يجعل منحنى المردود حاداً في صعوده وقد يعمل على تمديد الارتفاع في دورة الأسهم التي لم تساهم بالارتفاع كغاية حتى الآن. فأسهم الطاقة والمواد الأولية ستكون على رأس قائمة منتجاتنا في تلك الظروف.
|