Monday 3rd May,200411540العددالأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ثقافة الطفل ثقافة الطفل
عبد الرحمن الحبيب

إذا دخل ضيف في المجلس يُؤمرُ الطفل بالمغادرة الفورية؛ عندما يُناقِش والديه يُقاطَعُ مطالباً بالصمت؛ حين يرغب بالمشاركة في عمل ما يُستخفُ بمقدرته؛ إن دخل دكاناً تعداه البائع إلى آخر.. أين الطفل هنا؟ إنه غير موجود كحالة إنسانية بل هو مجرد كيان جامد لا نبصره.. قد نراه مشاهدة إنما لا نشعر نحوه بالاحترام ولا الاهتمام الواجب... إذن نبحث عن الطفل أم نبحث عن القمع؟
هناك خطأ تصوري في نظرتنا للطفل في مجتمعاتنا العربية، رغم ادعاء الاهتمام النظري به ورغم الاعتناء الدولي بحقوق الطفل الذي بدأ بالإعلان العالمي لحقوق الطفل عام 1959 وتبني أكثر الدول العربية لمشروع ميثاق حقوق الطفل العربي. فإشكالية المواثيق أنها لا تصنع حقوقاً إذا لم تتابع، ومن سوف يتابع قضايا الأطفال وهم في براءتهم لاهون؟ ومن سيتابع حقوق الطفل العربي والبالغون يبحثون عن أبسط حقوقهم؟ إن واقع الحال يوضح لنا أن من الحقوق على الطفل احترام من هو أكبر منه فهذا واجب، وعلى الأكبر أن يرأف بالطفل ويرحمه وتلك من النوافل فإن شاء فعلها أو على الطفل الانصياع.
الشائع في مجتمعاتنا العربية عدم الاهتمام بقضايا الطفل تربيةً وثقافةً وتنشئةً وحقوقاً، وعندما نهتم بالطفل نتصوره مجرد وعاء لتلقي الأفكار الجاهزة والأوامر الناجزة، نريد منه أن يشب بعد ذلك نسخة كربونية منا، بغض النظر عن قدراته ومهارته وتغير المرحلة الزمنية التي ينشأ بها مقارنة بما كنا عليه، فضلاً عن حقوقه كإنسان مكتمل الإنسانية وإن لم يكتمل البلوغ الفسيولوجي. وهنا يفوتنا الكثير في إدراك نمو شخصيته، مخاطرين بسلامة هذه الشخصية وما يمكن أن تقود إليه فيما بعد، بسهولة الانحراف سواء في التضليل الايديولوجي وعقائده السياسية المتطرفة أو الوقوع في التهتك الاجتماعي كالجريمة والمخدرات أو امراض نفسية أو حتى في أبسط الحالات عدم الشعور بالمسؤولية وبقيم العمل والتبلد وفقد المهارات والقدرات الإبداعية.. الخ.
ورغم تنامي الاهتمام بقضايا الطفل في الآونة الأخيرة في العالم العربي إلا أنه ضعيف ولا يمكن مقارنته بالاهتمام العالمي حيث يحظى الطفل بمكانة أساسية بين الاهتمامات كافة باعتباره إحدى الركائز الرئيسة في التنمية الشاملة، فتنمية دون إدراج قضايا الطفل في برامجها هي تنمية مشلولة زمنياً. فقد أصبح اهتمام المجتمع بأطفاله مقياساً لحضارته ومستقبله. مثلاً لا يوجد منتج في الوطن العربي يمكنه أن يقدم على تجربة إنتاج فيلم للطفل (عبد التواب يوسف) لذا ينتصر المنتج الغربي على أغلب منتجاتنا الفنية والأدبية لأطفالنا العرب. ولم يعد ينظر عالمياً لأدب الطفل باستخفاف كأدب صغار، بل أدب رفيع له صفاته الجمالية وله جوائزه الدولية وكتابه المبدعون الأفذاذ، نتيجة العناية الفائقة بتلك الأعمال.
وفي إجابة حول عدم تمكننا من ابتكار شخصية كرتونية معروفة كميكي ماوس يذكر عبد التواب يوسف أن ذلك عسير، ففي الغرب هناك مؤسسات تدعم تلك الأفكار فتضمن لها الاستمرار، أما نحن فلدينا جزر منفصلة مجلة محلية لها من 15 - 20 شخصية خاصة لا ينتجها ولا يستطيع استخدامها أحد غيرها، ولدينا على امتداد عالمنا عشرات المجلات، كل دمية تلفازية خاصة بمبتكرها إن مات ماتت معه.. وبالطبع برامج وكرتون تلفازاتنا على مستوى عالمنا الإسلامي مثله. بل لعله أسوأ.. برامج التلفاز المخصصة للأطفال لا تجيب عن سؤال واحد بسيط، لمن تُقَدَّم؟ لأي مرحلة عمرية، ما قبل المدرسة أم ما بعدها؛ ولذلك الأطفال لا يقبلون عليها.
ربما نحن لم نفهم التركيبة الذهنية للطفل. مثلاً، عندما نطالبه بالصدق ونمارس الكذب أمامه كل لحظه، ونتوقع منه أن يفرز نوعية الكذب، من مزاح وكذب أبيض، وكذب اضطراري، ومجاملة، وكذب حقيقي وقح.. والأخير نمارسه قليلاً ومضطرين أمام أطفالنا! لم نفهم التركيبة الذهنية لأطفالنا لأننا لم نفكر جيداً بهم بقدر ما فكرنا بما نريد منهم.
نظن أننا عبر التلقين نستطيع أن نقنعهم أو نعودهم على قناعاتنا. مثلاً، أنا أعشق اللغة العربية الفصيحة، وكلما حادثت بناتي أحاول أن أكرس فيهن هذا الحب عبر مقولات عربية قديمة أو مقاطع من شعر جاهلي مثلاً، ولكنهن في الحقيقة يهزأن بي ويضحكن ويرينني خارج الزمن.. أنا أزعم أني أفهم وأشعر بناقة الأعشى بطريقة لا يمكن أن يحسوها، ربما يفهمن مقصدي ومقصد الأعشى ولكن لا يكترثن بها وهذا حقهن. نحن لم نعتنِ بما يفكرون ويرغبون بمقدار عنايتنا بما نريد ونرغب! لم نتعامل معهم كبشر متفاعلين قدر تعاملنا معهم كأوعية تلقي!!
غاية القول أنه في عالمنا العربي لا توجد خطط واضحة وإستراتيجية في مجال قضايا الطفولة تستند إلى مفاهيم واقعية لاحتياجات ورغبات الأطفال، فهناك اجتهادات عشوائية أو فردية في أحسن الأحوال من قبل الأجهزة كما يؤكد كثير من المهتمين في هذا الحقل.
وأختمُ بطرح الباحث عبدالتواب يوسف في كتابه الجديد (تنمية ثقافة الطفل) الذي أوضح أن مجتمع المدرسة يلقن الأبناء أشياء بعيدة عن الحياة كما أن أعباء رب الاسرة زادت وخاصة في مجال الكسب وانعكس ذلك على رعايته لابنه حيث وصل الأمر إلى حالة من الانفصال بين البيت والمدرسة وانعدمت الرؤية السليمة. كما يؤكد على أن المجتمعات الحديثة اتجهت بوظيفة المدرسة من مجرد مؤسسة للتعليم إلى مؤسسة تعليمية ذات وظيفة تدرب الطلاب على العمل المحلي وعلى تحمل المسئولية حيث يتمثل التلاميذ معنى القانون وفكرة الحق والواجب، وأصبح البعض يصف المدرسة بأنها مؤسسة تنظيمية تقوم على خدمة المجتمع ودراسة البيئة والتعرف عليها والوقوف على مواردها واحتياجاتها واشتراك الأهالي في تمويل المشروعات وتنفيذها لأن المؤسسة الوحيدة التي ترتبط بجميع أفراد البيئة هي المدرسة وهكذا تطورت وظيفة المدرسة كمؤسسة اجتماعية إلى المساهمة في أعمال المجتمع الكبير بعد أن كانت منعزلة عنه وأتاحت للآباء والأمهات أن يدخلوها ليتشاوروا في مصالح أبنائهم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved