Monday 3rd May,200411540العددالأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل قرأنا التاريخ؟ هل قرأنا التاريخ؟
عبدالله الصالح العثيمين

للإعلام أثره الكبير في المواجهة بين الخصوم. وللصهاينة قدرة فائقة على استعماله سلاحاً فعَّالاً لتحقيق مآربهم الآنية والمستقبلية. ولعلَّه أهم عوامل نفوذهم في الدول التي لها الصدارة في الوقت الحاضر، وفي طليعتها الولايات المتحدة الامريكية. ذلك أنهم يسيطرون على كثير من الوسائل الإعلامية هناك؛ إضافة إلى نفوذهم الواضح في دنيا المال وصناعة السينما، التي لها - هي الأخرى - فاعليتها في نفوس الملايين. ومن قدرتهم الفائقة قلب الحقائق بإظهار دولتهم المغتصبة لفلسطين على أنها محبة للسلام، وأنها تدافع عن نفسها، مع ان المحققين يعرفون تمام المعرفة أنها العدو اللدود للسلام، وأنها المحتلة لأراضي غيرها، المستمرة في عدوانها على الآخرين؛ بل في ارتكابها أبشع جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني.
ومن أساليب الصهاينة الذكية الماكرة إطلاق عبارات تهدف الى تحطيم معنويات ضحايا عدوانهم، وإن اختُلِفَ في مدلول ظاهر تلك العبارات.
ومن هذه مقولة موشي دايان، الوزير الصهيوني المشهور (العرب لا يقرأون).
وكانت تلك المقولة إجابة عن سؤال وُجِّه إليه في أعقاب حرب 1967م: كيف لم ينتبه العرب الى ما ردَّدتموه من أقوال تفيد بعزمكم على مهاجمتهم؟
على ان في مقولة ذلك الوزير - بغض النظر عن هدفه هو من إطلاقها - شيئاً من الحقيقة مع الأسف الشديد. فقراءة التاريخ ليس المراد بها مجرد الاطلاع والتسلية، بل المراد استيعاب مدلول الحوادث واستنباط العبر والدروس، ثم اتخاذ الخطوات المفيدة في ضوء هذه العبر والدروس.
وقد يكون من الإطالة التي لا يتَّسع لها مجال المقال، هنا، استعراض تاريخ علاقات أمتنا العربية المسلمة مع خصومها في القرون الاسلامية المبكرة والوسطى مع أهمية تاريخ تلك العلاقات في القرون المشار إليها؛ وبخاصة ما حدث من عدوان أوروبي على البلاد العربية، لا سيما في فلسطين في نطاق ما سمِّي بالحروب الصليبية، وفي إسبانيا، التي كان من أوضح وجوهه وأبشعها محاكم التفتيش، ثم ما تلا ذلك كلَّه من عدوان مغولي تتري كان من أبرز نتائجه احتلال عاصمة الخلافة العباسية، وإنهاء تلك الخلافة. فليكن تركيز الحديث، إذن، على العصر الحديث.
كان من بدايات ما قامت به أوروبا في عصرها الحديث؛ ابتداء من القرن السادس عشر الميلادي، تلك الهجمة الاستعمارية الشرسة على بلدان العالم الإسلامي، شرقه وغربه. ومع أن بعض هذه البلدان أبدت مقاومة باسلة فقد كان تفوق الدول الأوروبية المهاجمة التقني من جهة وتفكُّك العالم الاسلامي من جهة أخرى، أثره الكبير في كسب المعركة واحتلال كثير من البلدان الإسلامية.
وحلَّ القرن العشرون الميلادي والعالم الإسلامي في أسوأ حالاته؛ تخلُّفاً فكرياً واجتماعياً وسياسياً. فأكثر بلدانه محتلّة من قِبل دول أوروبية استعمارية لم يكن يهمُّها إلا استلاب خبرات البلدان المستعمرة بكل الوسائل الممكنة، وإضعاف هويتها الدينية والوطنية. وأكثر ما بقي من بلدانه غير المستعمرة أوروبياً تحت حكم الدولة العثمانية التي بلغ مستوى ضعفها حداً جعلها تُسمَّى بالرجل المريض. وأنَّى للمريض أن يفكر تفكيراً سليماً؟ لذلك لم يكن مستغرباً من المتنفّذين في تلك الدولة أن انتهجوا سياسة تترك للولايات العربية التابعة لها. وكانت تلك السياسة مما أثار حفيظة كثير من العرب، بطبيعة الحال، فأصبحت أحد أسباب ثورتهم عليها في تلك الآونة. وكان ذلك الوضع فرصة مناسبة للطامعين من الأوروبيين المستعمرين؛ وفي طليعتهم زعماء بريطانيا، كي يعملوا لانتزاع ما يستطيعون انتزاعه من ولاياتها؛ وبخاصة في المشرق العربي: العراق والشام وفلسطين.
وانقسم الثائرون من العرب على سياسة الدولة العثمانية المبنيّة للتتريك في أقطارهم بين منادين بإصلاح الأوضاع من داخل تلك الدولة؛ أملاً في إقلاعها عن سياستها المجحفة بحقوق العرب؛ وهم قليلو العدد، ومنادين بالاستقلال عنها؛ فاقدين لذلك الأمل؛ وهم الأكثرية. وكان في طليعة هؤلاء من الزعماء شريف مكة، الحسين بن علي - رحمه الله - الذي قام بما سمِّي الثورة العربية.وكان لكل فريق مبرراته، التي من السهل قبولها. لكن من الواضح ان تلك الأكثرية لم تقرأ التاريخ قراءة واعية. ذلك أنها وثقت بوعود من كانت مثل تلك القراءة الواعية تحتِّم وجوب عدم الثقة بهم. فقد وضع الشريف حسين يده في أيدي زعماء بريطانيا؛ واثقاً بوعودهم له بأن يجعلوه ملكاً على كل ما ينتزع من الأقطار العربية من الحكم العثماني. وما علم ان ذلك الوعد مجرد خداع من دولة يدرك المتأمل في تاريخها أنها من أمهر الدول فيه. وكانت النتيجة ان اكتشف هو ومن ساروا معه على الطريق نفسها، وانخدعوا كما انخدع، ان تلك الدولة في الوقت الذي كانت تكيل له الوعود كانت متفقة مع فرنسا على اقتسام ما ينتزع من العثمانيين من بلدان العراق والشام وفلسطين وفق معاهدة سايكس - بيكو المشهورة المشؤومة، وأن وزير خاريتها، بلفور، قد أعطى وعداً للصهاينة بأن يسمح لهم في إقامة وطن قومي في فلسطين. وكان أن حُرِم ذلك الشريف المخدوع من مجرَّد العيش في وطن عربي، ناهيك عن أن يكون ملكاً للعرب.
وكانت تلك اللدغة من جحر الحيَّة البريطانية كافية وحدها لينتبه المؤمنون من العرب والمسلمين إلى مكائد الأعداء؟ إذ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. فهل كان لدى العرب الذين أتوا بعد الحسين، رحمه الله، من الإيمان ما وقاهم شر اللدغ مرَّتين أو أنهم أخذوا على سموم لدغ الحيَّات وأدمنوها؟.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved