العصر الذي نعيش فيه عصر تنظيم وتنسيق ومصدر معظم النظم في عصرنا هو الغرب المتقدم والامر طبيعي فالتنظيم يسير دوما مع الحضارة ويأتي نتيجة للرقي والتقدم، وفي هذا العصر يقتبس العالم المتخلف الانظمة من الغرب في معظم الامور ولمختلف نواحي الحياة ومن ذلك أنظمة المكتبات ويبدو للانسان ان هذه الانظمة ابتكرها الغرب وانها بنت هذا العصر الذي نعيش فيه، وكم يفاجأ الانسان عندما ينقب كتب التراث العربي فيجد ان بعض هذه الانظمة التي نستخدمها في مكتباتنا اليوم ونظنها مبتكرة، عرفها المسلمون في عصور الازدهار عندما كانت الحضارة العربية الاسلامية أرقى حضارات ذلك العصر وأكثرها تقدما.
وقد كان من نتيجة تسليط الضوء على دور المكتبات الاسلامية ومدى اهتمام المسلمين بالمكتبات، الوقوف على التقدم الكبير الذي بلغته المكتبة الاسلامية في الماضي في النواحي التنظيمية ووضح للقارىء ان معظم ما استوردنا من الانظمة المكتبية وطبقناه في مكتباتنا تقليدا للمكتبة الغربية من الامور التي عرفها اسلافنا في القديم فمن ذلك مثلا نظام الايداع المكتبي، حيث يودع كل مؤلف مجموعة من نسخ أي كتاب يصدره في المكتبة الرئيسية للدولة لكي يحفظ فيها ويكون في متناول المراجعين عندما ينفد من الاسواق ويصبح الحصول عليه من الامور الصعبة، هذا النظام عرفه المسلمون منذ قرون خلت ولكن بتسمية أخرى اذ أطلقوا عليه (التخليد) وقد أوضح هذه الحقيقة الدكتور محمد ماهر حمادة في كتابه القيم (المكتبات في الاسلام) اذ أورد نصاً لياقوت الحموي من كتابه (معجم الادباء) يقول فيه عند ترجمته لاحمد بن علي بن خيران الكاتب (... سلم الى أبي منصور بن الشيرازي رسول ابن النجار الى مصر من بغداد جزأين من شعره ورسائله واستصحبهما الى بغداد ليعرضهما الى الشريف المرتضى المشرف على دار العلم في بغداد آنذاك وغيره ممن يأنس به من رؤساء البلد ويستشير في تخليدهما دار العلم، لينفذ بقية الديوان والرسائل ان علم أن ما أنفذه منها ارتضي واستجيد..).
ان النص قدم هذا النظام في المكتبة الاسلامية ويبرز مدى التقدم الذي كانت عليه تلك المكتبة.
والمؤسف ان هذا النظام الاسلامي العريق لا تأخذ به الا مكتبة واحدة وهي دار الكتب بالقاهرة.
ان التراث العربي يضم أنظمة في شتى مجالات الحياة ولكن لكي نستخرج هذه الانظمة علينا ان نتتبع هذا التراث بدقة، ولا شك أن التخبط الذي نواجهه في التنظيم المكتبي يعود الى جهلنا الكبير بمحتويات هذا التراث والى اعتمادنا على الانظمة المكتبية الغربية التي لا تمت في معظمها بأية رابطة بحياتنا وليست لها صلة بتاريخنا وأهم من ذلك كله ان الذين وضعوها تجاهلوا عمدا الدور الحضاري الكبير للاسلام والمكتبة الاسلامية ولعل التصنيف العشري لديوى خير مثل على هذا التجاهل.
ومما لا شك فيه ان مسؤولية المتخصصين المسلمين في مجال المكتبات كبيرة وخطيرة وعلى هؤلاء ان يبحثوا ويطوروا الانظمة المكتبية حتى يكون هناك نظام مكتبي اسلامي يستمد جذوره من التراث ويساير حركة التطور الحديثة، ان اكتشاف نظام الايداع المكتبي في كتب التراث الاسلامي يدعونا الى مضاعفة الجهود والبحث عن أنظمة مكتبية في بطن هذا التراث العريق.
|