إن المراقب للأحداث يروّعه التطور الخطير والتفاقم السريع، ويلاحظ أن الأمور تسير في وجهة مخيفة مظلمة لا يعلم مداها إلا الله..
إن إراقة الدم المعصوم جريمة لا يمكن تسويغها بأي تأويل أو تبرير، ونحن هنا نستنكر هذا العمل المشين وندينه ونبرأ ممن أحدث الفتنة أو تسبب فيها أو سار في ركابها ونفخ في نارها بكلمة أو رأي. وأنا أعتقد أن رفع الصوت بالاستنكار والشجب لا يكفي وحده إلا إذا كان الهدف تبرئة الذات وهو هدف متواضع مغرق في الأنانية لا يرمي لعلاج المشكلة ولا يصل إلى ملامسة الجرح.
لقد سمعنا ورأينا كيف تعالت الأصوات بالتضليل والتكفير والتبديع، ثم رأينا بعد ذلك أن الأمور ما زالت تسير إلى الأسوأ؛ لأن كثيراً من المعالجات وردود الأفعال كانت مجرد تسجيل مواقف وهذا لا يكفي. إن استهلاك الذات بالصراخ العاطفي والغضب الدعائي لا يكفي، بل المطلوب أن نعكف على الأحداث دراسة وتحليلاً وغوصاً إلى الأسباب والدوافع، وأن نستشرف النتائج مستندين إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم الخروج برأي متجرد يوقف هذا النزيف ويحمي الأمة من الفرقة والتشرذم.
إن التطرف مرفوض بجميع أشكاله؛ فهو الوقود الذي يغذي هذه المجموعات الضالة، وحينما نقول التطرف فإننا نعني أولئك الذين يحمّلون الدين ما لا يحتمل من تشدد وتنطع، وفي نفس الوقت نعني أولئك الذين يزعزعون المبادئ والقيم ويقطعون صلة الأمة بربها.
إنني وأنا أستنكر هذه الجريمة النكراء والفعلة الشنيعة التي لا يقرها عاقل فضلاً عن صاحب دين أو خلق، أطالب أهل الغيرة المخلصين والعلماء والصادقين وأهل الفكر والرأي وأصحاب القلم والمنبر أن يتجاوزوا المزايدات الإعلامية والشعارات العاطفية؛ فالأمة تسير نحو منعطف خطير، والفتنة إذا تسعرت نارها لم تترك لأحد مكسباً أو منجزاً ولن تدع لأطفالنا حلماً أو مستقبلاً.
إن الجميع مستهدف بهذا الترويع، وهذه الفئة الضالة لم تعد تفرق بين مسلم وكافر، صغير أو كبير، امرأة أو رجل. وهذا يستوجب من الأمة جمعاء أن تتحد ضدّ كل من يحاول زعزعة الأمن وتخويف المسلمين وإرهابهم، وخير وسائل الحفاظ على الأمن أن تجثو الأمة على ركبتها عند كتاب ربها الذي يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
|