ربما تظهر الصور التي تم كشف النقاب عنها عن التعذيب في العراق الجزء الذي يطفو فقط من جبل الجليد، أي قد يكون هناك ما هو أفظع، خصوصاً وأن الجنود الأمريكيين في العراق لا يخضعون للمساءلة في الكثير من الأحيان، وهناك تلميحات من قادتهم تشير إلى ذلك، وهو أمر ينطوي على الكثير من الاستفزاز ويعمل على تعقيد الأوضاع في ذلك البلد من خلال تعميق عدم الثقة.
ولأن المهمة الأمريكية في العراق ثبت بطلان الدعاوى التي انطلقت منها لتتحول إلى مجرد أكاذيب، فمن المؤكد أن قدراً كبيراً من الأكاذيب أصبح صاحب الكثير من التصرفات، وبينما كانت الولايات المتحدة تتحدث عن غزو العراق بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان وإنقاذ العراقيين من الديكتاتورية نرى أنها تشارك فعلياً في قمع حقوق الإنسان من خلال هذه الصور التي أظهرت المدى البعيد الذي يمكن أن تذهب اليه القوى العظمى في التنكيل بشعب يقبع تحت احتلالها.
وستظل هذه الصور، التي تبرز جانباً من تعذيب العراقيين من قبل الجنود الامريكيين، العنوان الأبرز للحملة الامريكية العسكرية في العراق، وستعزز من صورة المقاومة وستجعل الكثيرين في أنحاء العالم يتفهمون لماذا يقاتل العراقيون قوات الاحتلال.
وتكشف الصور من جانب آخر حالة الضيق والتبرم والضياع التي يشعر بها الجندي الأمريكي في العراق، فالجندي -أي جندي - يستقي مبررات وجوده في ميدان المعركة من حقائق صلبة وقوية ومبادئ مقنعة، لكن الجندي الأمريكي يجد نفسه في أتون معركة تنتفي مبررات خوضها بعد ثبوت أن هذه المبررات كاذبة، ولذلك فإنه يفعل الكثير للتعبيرعن هذا الضيق حيث تتحدث التقارير عن حالات انتحار متزايدة وعن حوادث هروب، وها هي الصور الفظيعة تتسرب من غرف التعذيب إلى الرأي العام العالمي، وعلينا ان نعرف أن الذين صوروا هذه اللقطات هم جنود وأن الذين هرَّبوها عبر المراسلين هم جنود أيضا ساءهم ما يحدث ويحاولون تأليب الرأي العام في بلادهم والعالم ضد هذه الحرب ، ووجدوا أن نقل ما يفعله زملاؤهم بالعراقيين قد يسهم في ذلك وينقذهم من هذا الجحيم.
|