الذين قُدّر لهم أن يعيشوا اللحظات المتسارعة الأخيرة لساحة العدل، صباح يوم أمس السبت في الرياض، تشرئب فيها الأعناق وتختنق العبرات، وتُحبس فيها الأنفاس، لتنفيذ قصاص محتوم في قضية قتل ظلت تشغل المجتمع طيلة ثلاث سنوات، نسجت حولها القصص والأقاويل.
الذين قدّر لهم أن يحضروا المشهد، لم يكونوا أمام مشهد مسرحي أو تمثيلي، وإنما كانوا أمام دروس في الحب والوفاء والإيمان، وامتزجت فيها الدموع بالعبر، وتضحية الوالد مع عظمة الحاكم، وتجلت فيها عزة النفس مع المواطنة الأصيلة.
كانت كل المؤشرات تدلل على أن الحق سيأخذ مجراه، وأن العدالة تشق طريقها نحو التنفيذ، وأن الوساطات لم تجد نفعاً، وأن الشفاعات لن يكون لها مكان في اللحظة الأخيرة للموقف.
الشيء الوحيد، الذي لم يكن محل بحث ولم يتطرق إليه وسيط او شفيع هو (المادة)، فلقد كانت الغائب الوحيد في هذا المشهد المؤثّر.
كان في هذا المشهد الرائع عظيمان: الأول هو الأب الذي كان ينوب عن الأم وعن الأسرة في حقوق الدم، والذي حافظ برجولته وهدوئه وإصراره على أن تسير المحاكمة وإجراءات المرافعة وفق الأصول الشرعية المرعيّة، ثم يسجد حمداً لله أن تبقى الكلمة العليا لله ثم للقضاء، رغم أن الجاني من أفراد الأسرة الحاكمة، لكنه بعد أن سقطت كل (حيل) الدفاع، وقال الشرع كلمته، وأُدني الجاني للقصاص، وتم التأكد من هويته وشخصه، يحتسب رقبته عند الله، ويعتقها لوجه الله سبحانه دون مقابل.
كان بإمكانه، أن يُثرى من وراء دم ابنه، بل كان يمكن للأسرة كلها أن تنعم بالتعويض المادي، لكنه أراد فقط أن يلقن الجاني الدرس، ويرتفع فوق عرض الحياة الدنيا، ليرجو بها بديلاً عند ربه إن شاء الله.
أما العملاق الثاني: فهو حاكم الرياض، الذي يتربّع منذ نصف قرن، على عرش قلوب أهلها قبل مصالحهم، والذي تخرّج من مدرسة المؤسس الراحل، الذي بنى مجده وحكمه ودولته على سيادة القرآن.
لم يخف أنه عمّ الجاني، لكنه عندما صدر حكم الشرع، أصرّ على أن يساق الجاني إلى ساحة القصاص غير آبهٍ بوساطات اللحظة الأخيرة، أو شفاعات الشافعين لإعطاء الفرصة لإعتاق الرقبة من حتمية الأخذ بالحق الخاص.
إنهما العظيمان: سليمان القاضي وسلمان بن عبدالعزيز، أما العتيق الذي وُلد من جديد (فهد بن نايف بن سعود بن عبدالعزيز) فالمرجو أن يكون قد تلقّن الدرس جيداً؟
أما منذر بن سليمان القاضي فإننا نحتسبه عند ربه راضياً مرضياً عنه، ولأمه وإخوته حسن الصبر والعزاء.
|