الحب ليس داءً بإطلاق، بل هو علاج للكثير من الإخفاقات والمشكلات، ولكنه قد يتحول إلى داء إن تفاقم وتجاوز حده، أو وضع في غير موضعه، وفي مثل هذا يطلب له العلاج، وقد قال عروة بن حزام:
جعلت لعراف اليمامة حكمه
وعراف نجد إن هما شفياني
فقالا نعم يشفى من الداء كله
وقاما مع العواد يبتدران
فما تركا من رقية يعلمانها
ولا سلوة إلا وقد سقياني
فقال شفاك الله والله ما لنا
بما ضمنت منك الضلوع يدان
ولكن السنة جاءت بما نصه أنه ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، ومن ذلك:
أولاً: الوقاية خير من العلاج
فاصرف بصرك، فإن لك الأولى وليست لك الثانية؛{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } سورة النور: 30-31.
لاحظ كيف فصل الله في الآيات {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ} {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ}، فلخطورة غض البصر وأهميته خاطب الله عز وجل الرجال على حدة والنساء على حدة، لأن الأمر يهم كلاً من الطرفين بمفرده.
وهذا من المرات القليلة التي يفرد كل جنس فيها بخطاب.
والنظرة هي البداية، ولذلك عقب الله عز وجل بقوله: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} فالبداية نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء ثم وصول إلى هذه النتيجة:
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
فالوقاية خير من العلاج!
* أكتب هذه الآية الكريمة {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون} اكتبها وعلقها في غرفتك، بل في سيارتك إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
ثانياً: التفكير في العواقب
فإن هذا من الخصائص التي تفرق الإنسان عن الحيوان.
وليس كل ما خطر في بال الإنسان، أو تيسر له فعله أقدم عليه حتى يعرف ما وراءه، وما بعده، فقد يسير الإنسان في طريق آخره مرض الإيدز، الذي أصبح ضحاياه اليوم بعشرات الملايين في العالم.
بعض من وقع في مرض الإيدز! يقول: إنه وقع مع امرأة واحدة، وكان هناك كشوف وفحوص، ومع ذلك أصابه المرض!!
وقع له المرض عقاباً من الله عز وجل!
ولعل ذلك أن يكون كفارة في الدنيا، وتوبة له قبل لقاء الله عز وجل.
وكذلك الأمراض الجنسية الأخرى التي قد ينقلها الإنسان إلى زوجه، والى الطاهرات العفيفات من نساء المسلمين!
كذلك الحمل من السفاح.
يقول لي شخص بعد ما تاب الله عليه: إنه وَاقَعَ امرأةً عقيماً لاتحمل، وأراد ربك عز وجل ان تحمل بتوأم!
فيا مَنْ لا تفكر في العواقب! هل تريد أن تكون مسؤولاً عن إنسان يأتي إلى هذه الدنيا، وهو لا يعرف مَنْ أبواه! شريداً، طريداً، بعيداً، تائهاً، زائغ النظرات!!
* قد تبتلى بفضيحة في الدنيا، وإذا سترك الله عز وجل في الدنيا، توقع أنه قد تقع لك فضيحة في الآخرة، على رؤوس الأشهاد.
* فساد النفس، فإن الإنسان لا يعجبه شيء إذا تعلق بالنساء، وتنويعهن، ولا يأنس بشيء، وربما حرم من لذة الحلال، بسبب الحرام، وربما فقد مشاعره وأحاسيسه.
من الشباب من يقضي في الخارج أوقاتاً مع المومسات، والبغايا، ولو علم أن زوجته تخالس النظر إلى شخص آخر لطلقها.
(إنني أتخلى راضياً عن كل النساء، من أجل امرأة واحدة، يساورها القلق إذا تأخرت قليلاً عن موعد العشاء). هكذا يقول كل حكيم.
ثالثاً: الوصال الحلال
إن قصص الحب الخالدة في التاريخ هي التي حُرم فيها ابطالها من الوصل، كجميل وبثينة، أو كثيَّر وعزة، أو قيس وليلى، أو في الغرب ك(روميو وجوليت).
وقد جعل الله تعالى في الحلال غنية وكفاية بالمحبوبة، أو حتى بغيرها.
ولهذا روى ابن ماجه (1847)، والحاكم (2724) وغيرهما - وسنده جيد - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ).
فالوصال الحلال، يشفي قلب الإنسان، ويزيل عنه هذه الغمة، فإذا لم يتمكن من هذه الفتاة، فمثلها في النساء كثير.
رابعاً: اليأس والمباعدة
مهما وجد الإنسان من ألم الفراق، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) انظر صحيح البخاري (1469) وصحيح مسلم (1053).
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
فإن سأل الواشون فيما هجرتها؟
فقل: نفس حر سُليت فتسلّتِ
تقول أم الضحاك المحاربية:
سألت المحبين الذين تحملوا
تباريح هذا الحب من سالف الدهر
فقلت لهم ما يذهب الحب بعدما
تبوء ما بين الجوانح والصدر؟
فقالوا: شفاء الحب، حب يُزيله
لآخر، أو نأيٍ طويل على الهجر
أو اليأس حتى تذهل النفس بعد ما
رجت طمعاً واليأس عون على الصبر
خامساً: صرف العواطف والقوى والطاقات إلى ماهو أعلى وأغلى وأسمى من، محبة الله عز وجل، ونفع عباده، والزُّلفى إليه بالطاعة، والصلاة، والصوم، والذكر، والقرآن، وصحبة الأخيار، وكثرة الدعاء، والتضرع، والانهماك بمعالي الأمور والاشتغال الدائب بما ينفع المرء ديناً أو دنياً، والاشتغال بما يصرف طاقة الشاب إلى خير الدنيا والآخرة، كما قال الله عز وجل{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } سورة البقرة (45).
وقال سبحانه: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} سورة الطلاق (3).
إن القلب المملوء بهموم الأمة، وهموم الناس قد يخفق بالحب، ولكنه لا يقع في أسره.
أما القلوب الفارغة، فهي التي تصبح نهباً لكل طارئ وطارق وتقول له: هيت لك!
فاستثمر حياتك في: عمل جاد، أو تفكير سليم، أو ابداع نافع، أو قربة صالحة!
عن أنَس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ) انظر مسند أحمد (12981).
كن عاشقاً، ولكن للعلم، محباً، ولكن للعمل الصالح!
تولاك الله بحفظه، وكلأك برعايته، وأوزعك شكر نعمته، حفظ لك قلبك وعقلك، ودينك، ودنياك!