رحم الله تعالى الشيخ محمد بن عبدالله الجميح رحمة واسعة فقد سلم روحه الطاهرة لباريها مودعاً الحياة الدنيا... فأحسن الله العزاء لآل الجميح رجالاً ونساء... كباراً وصغاراً... والعزاء موصول لكافة محبيه وأصدقائه.. الموت حق وهو مصير حتمي للجميع وهو في هذه المرة غيب علماً بارزاً من أعلام الاقتصاد والتجارة ورمزاً من رموز الفضل والفضيلة والبر والإحسان ورجلاً أمضى حياته بالجد والهمة.. والعزم والعزيمة.. والصبر والمصابرة.. حتى تمكن مع أخيه عبدالعزيز رحمهما الله تعالى ومن ثم أولادهم من بناء صرح اقتصادي يأتي في مقدمة المنظومة التجارية في بلادنا.
لقد أمضيت بقرب الشيخ محمد رحمه الله ما يزيد على ثمانٍ وعشرين سنة موظفاً بالشركة فتعلمت منه ما لم تعلمنيه الجامعة من علم الإدارة وفنون التجارة بل ومن خصال الخير والصلاح والتواضع والفطنة وتحري العدل والانصاف والبعد عن مظان الظلم.. وكان رحمه الله مهيباً يقود فريق العمل بالشركة بحصافة وفطنة.. وحكمة ودراية.. وكان ذا ولع شديد بالنظام والانتظام ووضع الأمور في موضعها الصحيح.
لم يكن العمل الرسمي بالشركة -رغم كثرته وأهميته - ليصرفه عن الاهتمام بأعمال الخير والمساهمات الوطنية والقيام بواجب الزيارات الرسمية لكبار المسؤولين في الدولة كما كان يوظف حيزاً كبيراً من وقته لاستقبال محبيه وأصدقائه.. وهو إلى جانب ذلك كله ينشغل بأحوال جميع أفراد الأسرة القريب منهم والبعيد.. الذكر والأنثى.. الكبير والصغير.. الحاضر والمسافر.. فهو -رحمه الله- وإن كان حازماً في تعليماته.. صارماً في طلباته فإن في قلبه مساحة حب ولطف ورحمة لكل فرد من أفراد الأسرة فهو شديد التفقد لأحوالهم وشؤونهم في شتى مواقعهم ولا يهدأ له بال حتى يطمئن على وصول مسافرهم وشفاء مريضهم.. ثم إنه لا يتحرج أحدهم مهما كان مركزه من استشارته ومناقشته فيجد منه.. ملاطفة الأب.. وعمق المودة.. وحكمة التوجيه.. وصدق النصيحة.
في مجال الإدارة والعمل كنا وبالرغم من الصلاحيات المطلقة الممنوحة لنا نطلب مداخلاته في بعض الأمور فنجد الحكمة البالغة والرأي الحصيف والقرار الفوري ويمكن بهذا السياق التعرض لنماذج من بعض مداخلاته.
- ذات مرة شحنت لنا بضاعة فتعرضت لأضرار بالبحر ولأن الشركة الموردة حريصة جداً على بناء علاقة تجارية معنا فقد شحنوا بضاعة بديلة تعويضاً منهم وبدون قيمة فوصلت البضاعة في حين أننا طالبنا شركة التأمين بالتعويض عن البضاعة التالفة فتم التعويض فحصلنا على بضاعة سليمة وتعويضا من شركة التأمين ولما علم الشيخ محمد بذلك أبدى استياءه وطلب اعادة قيمة التأمين لشركة التأمين لأن ذلك غير مستحق لنا.
- كان لأحد المواطنين أرض تجاور أراضٍ للشركة فحصل منه خطأ بحيث بدأ في إنشاء عمارة له في أرض الجميح بدلاً من أرضه وبعد انشاء القواعد وحفر الخزانات وبعض الأعمال الأخرى اكتشف الأمر وبعرض الموضوع عليه رحمه الله قال إن كانت الأراضي متساوية في المساحة فلا مانع من تبادلها مع المذكور ولما كانت الأراضي غير متساوية قرر المعالجة بحيث إن كان المواطن تاجراً فعليه ترك أرضنا بعد ان يعيدها كما كانت ويزيل جميع منشآته وإن كان فقيراً تثمن له جميع تكاليفه التي خسرها بالموقع وإن كان متوسط الحال ينتقل لأرضه وعلينا تحمل إعادة تسوية أرضنا.
- طلبت منا إحدى شركات البيرة العالمية ذات مرة التعامل مع مصانعنا لإنتاج العلب لكي نصنع علباً فارغة يعبئون فيها البيرة وكانت طلبية كبيرة قيمتها ملايين الدولارات وكانت مداخلة الشيخ محمد الرفض القاطع للفكرة.
نعم لقد خسرنا أباً كريماً ومعلماً قديراً لكن عزاءنا من بعده أنه خلف جيلا واعياً من أبناء الجميح يمكنهم تسيير القافلة على خير ما يرام بحول الله وقوته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
(*) نائب مدير عام مصانع الجميح لتعبئة المرطبات |