Saturday 1st May,200411538العددالسبت 12 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام.. الشيخ الشريم: في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام.. الشيخ الشريم:
استنكار التفجيرات وشجبها درجة من درجات تغيير المنكر والرضا والفرح بها لون من ألوان الخيانة

  * مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أوصى امام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن فمن أطاع الله فقد فاز فوزا عظيما.
****
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي القاها يوم أمس بالمسجد الحرام : إن واقعنا اليوم لهو واقع موحش تتلاطم فيه ظلمات الفتن كتلاطم موج بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض وأن هذه الفتن قد احاطت بنا من كل جانب واخذت بأفئدتنا كل مأخذ بل وتخطفتنا على غرة كما تتخطف الزوابع نثار الأرض انها لفتن عمياء صماء بكماء تدع الحليم حيرانا واللبيب مذهولا ذلكم الحليم الذي رزق خصلة يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي إذا شتم صبر واذا ضرب غفر انه ليورى أبان هذه الفتن حيران من هول الوقع وعظم الخطب وهذه الفتن التي تعترينا حينا بعد آخر انما هي في حقيقتها تمحيص وابتلاء ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه) الحديث، يقول الحافظ بن حجر في معنى قوله من تشرف لها أي تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها.
وقال لقد تكاثرت في هذه الآونة حلقات الاخلال الامني في المجتمع المسلم وقلت في واقعنا هيبة الدم المسلم وحرمته وعصمته ولقد أشار المسلم بالسلاح على اخيه المسلم بل وافرغ حشوه فيه وهذا مالا كنا نعهده في زمن الاستقرار الوارف والطمأنينة التي عمت المجموع فما الذي غير الامر عن مجراه ولأي شيء يختلف اليوم عن الأمس وما هو السبيل للخروج من عنق الزجاجة القائل هذه كلها اسئلة تستدعينا إلى التركيز على أهم المعطيات التي ينبغي الوقوف امامها بصدق والتعامل معها بنية اصلاح ما في النفس ليصلح الله ما في الواقع.
وبين فضيلته أن هذه المعطيات ليست بالقليلة غير أن العجالة تضطرنا إلى ذكر الاهم وذلك في الامور التالية: الامر الأول ان الاختلال الأمني المتمثل في كثرة القتل وازهاق الانفس البريئة دون برهان من الله لهو من علامات آخر الزمان المنذرة بدنو الساعة التي لا يعلمها الا الله ففي الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:( يتقارب الزمان وينقص العمل ويوق الشح وتظهر الفن ويكثر الهجر قالوا: يا رسول الله وما الهرج؟ قال القتل القتل) والامر الثاني هو ان استقرار المجتمع المسلم الذي يهنأ فيه بطعامه ويسيغ شرابه ويجعل نهاره فيه معاشا ونومه سباتا وليله لباسا لا يمكن ان يتحقق الا تحت ظل الامن الوارف فالامن والامان مطلب ملح للمجتمعات لا ينكر ذلك الا مكابر ارعن لان الامن اذا اختل فإن مغبته لن تكون قاصرة على المخل به فحسب بل انها ستطال نفسي ونفسك ايها المسلم وولدي وولدك واسرتي واسرتك والواقع المقرر هو ان المجتمع المتكامل من جميع جوانبه هو ذلك المجتمع الذي تتحقق فيه الأسس الأمنية الثلاثة الا وهي الامن العسكري والامن الغذائي والامن الصحي وهذه الأسس الثلاثة لا يمكن ان تتحقق جميعا دون اختلال الا تحت ظل الاسلام وشرعته فلقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:(من اصبح آمنا في سربه معافا في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).
والامر الثالث: هو ان احداث التفجير الماضية التي استهدفت معصومي الدم فيها، لهي امر لا يرضاه دين ولا عقل ولا عرف وشجبه واستنكاره درجة واجبة من درجات تغيير المنكر واما الرضا به والرح فهو لون من الوان الخيانة في الباطن فالنصوص الشرعية متكاثرة في بيان حرمة المسلم وعصمة دمه وبيان احترام حق السلطان المسلم وعدم الاستياس عليه وعلى أهل العلم فالله جل وعلا يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ويقول سبحانه {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ويقول جل شأنه حكاية عن ابني آدم عليه السلام {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} هذه حكاية ابني آدم ان بداية القتل كانت من ولد ابن آدم.
وفي الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:( من حمل السلام علينا فليس منا) وفيهما ايضا قوله صلى الله عليه وسلم:(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).
وقال امام وخطيب المسجد الحرام: اما الامر الرابع فهو ضرورة تشخيص هذا البلاء تشخيصا نزيها عاريا عن الشبهات والاهواء للوقوف على اسبابه والبحث عن العلاج الأمثل له والا يجاوز التشخيص موضع الداء حيث انه لا يجوز ان يلقي بالائمة على غير مرتكبي تلك الأحداث فلا يجوز ان ينسب السبب إلى التدين مثلا او إلى علوم الشرعية ومناهجها او إلى العلماء والدعاة المخلصين فإن السرقة في المسجد لا تستدعي هدم المسجد كما ان عدم فهم الشريعة والتدين لا يعني الغاءهما عن واقع الحياة ولو تستر لص في حجاب امراة فلا يعني ذلك الغاء الحجاب بالمرة فليتقي الله اولئك الذين يشوشون عند كل حدث سانح فيرمون اصالتنا وتمسكنا بديننا ردحا من الزمن بأنه هو سبب هذه الحوادث والمعضلات فيكون هذا التشويش تكأة يتكئ عليها اعداء الإسلام من الكفرة الحاقدين ومن المعجبين بهم ومبررا سائغا لهم في تمرير ما من شأنه فرض مسوغات مشروعة بزعمهم للضغوط المتتالية على حياض المسلمين فيأتيهم مثل هذا التهويش والتشويش على طبق من ذهب ليجتاحوا بلاد المسلمين بأدنى الحيل ولا جرم عباد الله اذ الخطر من قبل التشويش الداخلي اشد وقعا من التشويش الخارجي وأن مثل الناعقين عبر وسائل متعددة في وجه الدين والتدين والمناهج النيرة والاستقامة المشهودة في المعتقد والفكر كمثل ما رواه الامام احمد في مسنده عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ( ضاف ضيف رجلا من بني اسرائيل وفي داره كلبة فقالت الكلبة: والله لا أنبح ضيف اهلي قال فأوى جراؤها في بطنها قال قيل ما هذا؟ قال: فأوحى الله عز وجل الى رجل منهم هذا مثل امة تكون من بعدكم يقهر سفاؤها احلامها).
وان حاصل هذا الامر عباد الله هو ان يعالج الفكر بالفكر والا يستغل الخطأ في إذكاء تفريق الكلمة واضعاف التدين فقد قتل علي رضي الله عنه بأشد من هذا ولم يلق بالائمة على الدين واهله وانما كانت اللائمة والردع على ذوي الفكر انفسهم وهم الخوارج الذين خرجوا عليه ورأوا ان قتله رضي الله عنه وتخليص الامة منه من اعظم القربات إلى الله بزعمهم عليهم من الله ما يستحقون.
وأكد الشيخ الدكتور الشريم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يثنهم فعل الخوارج عن زيادة تمسكهم بدينهم واستلهام لطف الله ورحمته بهم والثبات على الدين رغم ما اعتراهم من نوائب شدت عن سوادهم الأعظم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .
اما الأمر الخامس فلا يقل أهمية عما مضى ذكره الا وهو التأمل في الحال والواقع ومحاسبة النفس على التقصير والتفريط في جنب الله واصلاح مواطن الخلل في النفس والمجتمع فإنه ما نزل بلاء الا بذنب ولا رفع الا بتوبة صادقة الى الله {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} ان الذنوب والمعاصي وضعف التمسك بشريعة الله في النفس والمال والمجتمع لهي من دواعي الاختلال الأمني وترادف الكوارث والخطوب ما يستدعي اللجوء إلى الله وارتقاب لطفه وتغيير ما في النفس ليغير الله الحال الى ما هو خير{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.
روى البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقبل علينا بوجهه فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال اعوذ بالله ان تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى اعلنوا بها الا ابتلوا بالطواعين والاوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا ولا نقص قوم المكيال الا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان وما منع قوم زكاة اموالهم الا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولا خطر قوم العهد الا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في ايديهم وما لم يعمل ائمتهم بما انزل الله في كتابه الا جعل الله بأسهم بينهم) ولقد صدق الله {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved