Saturday 1st May,200411538العددالسبت 12 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
مفارقات.. والموت الموت!!
د. خيرية السقاف

الكلام كثير، والأصوات عديدة، متداخلة...
الوقت ينهبنا، لا أدري أو نحن الذين نفتِّتُه.. وننهبه..
الموت، الدمار، القتل، الاعتداء، الصَّلاة على الموتى، الدُّعاء للبقاء الجميل،
العصافير تتساقط، تحترق أجنحة الأحلام،
وأهرب عنوة من الأصوات، أبتعد عن ذلك الجهاز الصَّغير الذي يقرِّبها من أذنيَّ أو يقصيها في أعماق الصَّمت، وأقسر عينيَّ على عدم المرور بالكلام المفروط، الأحرف جميعها منفصلة أو متَّصلة، في كلمة أو جملة أو جمل أو... أبتعد عن كل تفصيل...، أو تعليل، أو تحليل،
لست أركن إلى الدَّعة، ولا أهرب من الواقع، ولا أرفض معرفة ما يحدث أو يقوم، ولست في برج عاجي، ولا في منأى عن الآخر...
لكنَّني أردت الخوض في تفاصيل الأوجه، وفي تفاصيل العناوين،
الموت واحد، والفقد واحد...
وجوه الصغار الهاربين مع بعض أسرهم من سليمي الأعضاء، أو أولئك الّذين مرتكزون عكازاتهم، أو يحملهم من يقدر من أهلهم، فارِّين ووعثاء ضباب النار تسلِّط على ظهورهم عزائم الركض في منأى عن دورهم المحطَّمة، أو دورهم الموحشة فزعاً في مدن العراق، وفلسطين، وسواهما من مدن الأرض المسلَّطة عليها نكبة الإنسان بالإنسان...
وجه الصغير الذي امتلأ بالخوف والرجاء والسُّؤال الغامض الذي لا يدري ما وراءه من معان عميقة وثقيلة ومسؤولة أمامها ضمائر البشر ينظر إلى أعلى، وسلاح الجندي الأمريكي يعتلي رأسه...، وجه وجدان الذي لم تفتأ الصُّحف الكتابة عنها وتصوير مأساة أهلها وبلدها وصديقاتها فهي الطفلة الفقيدة الوحيدة ثمن الموت في بلادها، وهناك عشرات، مئات ألوف، وعشرات الألوف من الأطفال ممّن لم يتح للإعلام ملاحقة موتهم أو فنائهم في كلِّ دار، وبيت، وخيمة، وشارع في نزيف الحروب غير الإنسانية التي يحياها الإنسان، وصورة مئة قتيل في تايلند والمصحف المضمّخ بالدماء، ووجه الطَّبيبة تلك التي اغتيلت في مواقف السيارات في كندا أو تلك التي أطلق عليها رصاص وهي تعبر الشارع، وشابين أحدهما يموت برصاص في غسق الليل بداره، وآخر ملقى على الرصيف تستره دماؤه، ووجه أبيه يحترُّ من ألم الفجيعة والسؤال يلاحق لماذا؟ وأوجه الجرحى، والمصابين في مستشفيات منقولة أو ثابتة هنا وهناك... وصناديق المغتالين غدراً في صحراء أو شارع، أو فندق... في حروب سياسية أو حروب عقْدية أو حروب نفسية...
والعناوين، إمّا مع الفجيعة وإمّا مبطِّنة لها، إمّا مع القاتل ,وإمّا مع المقتول،
وأحداث القتل البشري تتفاوت، ودوافع الموت تتناقض...، والصُّور تمنح الصدر خفقات حسرة كثيرة ومكثَّفة، في كثير أحسبها عاملاً رئيساً لموت جديد، والتفاصيل في سحنات الموتى والمفزوعين، ملحمة إدانة لإنسان هذا العصر، على اختلاف أدواره فوق الأرض...
والإشارات الدِّلاليّة لعبارات العناوين التي توردها الصحف والشاشات تدخل الإنسان بكامل وعيه في بوتقات من الحيرة، والحنق، وعدم الرضاء فلا يملك الذي لا يملك حيلة سوى التأمل، والحسرة، والإحساس بالسُّخط، ومن ثمّ بالدُّعاء... لِ أو على...
وتبقى الملامح، وعبارات الشرح في أوجه الصور، أو نبرات التعبير، أو كلمات النّقل لمشاعر ذوي الموتى، أو مواقف الأحداث تمنح الذي يتأمّل مزيداً من فرص ركوب عابرات الفكر نحو المفارقات الهائلة:
والموت قائم...
والأسباب كثيرة...
والنَّتائج واحدة...
والمحصلة إحساس بفناء السعادة...
تلك التي عمّت أرض السعادة في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها.. فإلى أين يذهب ما بقي من حلم البقاء للإنسان؟! الإنسان الذي لم يعد ينتظر الموت الطبيعي، بل ذلك الذي تمتدُّ إليه يد لتزهق فيه الروح!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved