لا يمكن أن يمريوم دون أن تقرأ في الصحف تحقيقاًعن مشرَّد ينام في الشوارع ويقتات من هنا وهناك، وقد فقد أبناءه وتاه عن العالم، يضربه الفقر من كل جانب، تحطمت معنوياته، ينتظر من أهل الخير التدخل السريع لإنقاذه وإعادة أبنائه إليه وتسديد ديونه التي تراكمت في الوقت نفسه تسمع أن هناك آلافاً من تأشيرات العمل ما زالت تمنح للعمال الأجانب، وآخرها ما جاء في لقاء الدكتور غازي القصيبي مع رجال الأعمال من أن المملكة منحت ستمائة ألف تأشيرة عمل للأجانب العام الماضي تحس أن في الأمرشيئاً من التناقض؛ فهذا الشخص الذي فقد عياله وفقد منزله والذي قرر أن يفقد كرامته بالشحاذة.. ما الذي يمنعه من مضايقة هؤلاء الأجانب والعمل في نفس الأعمال؟ خصوصاً أن معظم هذه التأشيرات هي رقيق مستتر حيث يسرح هؤلاء العمال الأجانب يبحثون عن عمل لأنفسهم بغض النظر عن طبيعته ولكن عليهم عند رغبتهم في السفر أو تجديد إقاماتهم أن يدفعوا للنخاس مبلغاً معلوماً وغالباً ما يعادل مئة ريال عن كل شهر.
سألت أحد العمال الأفغان وهو من هؤلاء المسترقين الذين يتجمهرون عند بعض الساحات في انتظار أن يأتي أحد يحتاج إلى خدماتهم البسيطة كالحفر أو الشيل أو التكسير. سألته: كم تكسب في الشهر؟ قال من ألف إلى ألفي ريال وهو لا يعمل طوال الشهر، قد يمر ثلاثة ايام أو أربعة لا يجد ما يعمله، ولكنه في النهاية يكسب من ألف إلى ألفين، وهذا في نظري مبلغ ضخم على رجل عاطل من كل المواهب والصنعات لا يجيد لغة البلد التي يعمل بها، مجرد أن يقف في أحد الشوارع يتسابق مع أبناء جلدته على السيارات التي تقف لكي يفوز بعمل اليوم، رغم المنافسة ما زال يجد خيراً في البلد.
هذا يدفعني إلى التساؤل حول هؤلاء السعوديين الذين يظهرون في الجرائد يبحثون عن اليد الحنون التي تنقذهم من مآلهم التعس: بعضهم في نفس شباب هؤلاء الأفغان أو الباكستانيين،إذا كانت المسألة وصلت للكرامة فلماذا لا يصون الإنسان كرامته؟إذا كان يستعيب العمل اليدوي مع العمال الأجانب فمن باب أولى أن يستعيب أكثر الشحاذة المعلنة على صفحات الجرائد.
أرجو ألا يفهم أحد أني أدَّعي أن لدينا وظائف كافية ولكن الأجانب سرقوها أو أن السعودي كسول.. إلى آخر الكليشات ولكني أحاول أن أصل إلى نقطة معينة وهي ظاهرة الشحاذة على صفحات الجرائد ، وخصوصاً من أناس كان لهم إسهام في مجال من مجالات الشهرة كالفن أو الرياضة، أنا لا أفهم أن يعيد الإنسان توظيف شهرته السابقة مستبدلاً الذل بالمجد.
في بعض الأحيان أربط هذه الظاهرة بظاهرةأخرى: هناك أناس يعيشون تقريباً على نوع من الشحاذة اتخذت لنفسها قيمة اجتماعية حتى تجاوزها المجتمع ولم يعد يسميها شحاذة. أخذت أكثر من اسم وأكثر من شكل إلى أن صارت نوعاً من الحقوق عند بعض الناس؛ ففي رمضان تجوب فئة معينة من الناس بيوت الوجهاء والأعيان تجمع العادات المقررة سنوياً، من هذا ثلاثة آلاف ومن هذا الفين ومن هذا سبعة آلاف، ومن هذا مئتين فقط.
من الواضح أن الأعيان الطيبين بدأوا يتلاشون ويقلون، ولم يبق من الأعيان سوى هؤلاء الذين لا يعرفون الصدقات إلا على صفحات الجرايد فتحولت نفس الفئة من الوقوف أمام الأبواب في شهر رمضان وكتابة المعاريض إلى صفحات الجرائد يستوفون حقوقهم التقليدية. وأخشى أن يأتي ذلك اليوم الذي تتحول فيه شحاذة الجرائد إلى عادات وثقافة ثم نضيفها إلى خصوصيتنا التي نمدح بها أنفسنا.
فاكس 4702164
|