Saturday 1st May,200411538العددالسبت 12 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تكريم العلاونة باثنينية خوجة تكريم العلاونة باثنينية خوجة
الشيخ عبدالمقصود: زاد العلاونة شحيح ودربه طويل
الحاج محمد علي: العلاونة لم يتخرج من الجامعات ولكنه أبدع

* جدة - صالح عبدالله الخزمري:
احتفت اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة بالباحث الأردني الأستاذ أحمد العلاونة وذلك ضمن نشاطها الثقافي.
مختصر السيرة الذاتية
- ولدتُ في الطيبة من محافظة إربد بالأردن سنة 1386هـ - 1966م وتعلمت في الطيبة، واتجهت في دراستي الإعدادية إلى بعض العلوم الإسلامية في التفسير والحديث والفقه والتحصيل الشخصي، ثم اتجهت إلى علوم اللغة العربية التي أعدها مفتاح كل علم، وكنت أقرأ ما يقع بيدي من كتبها، ولم أبعد عني كتاب النحو في الأعصر الأخيرة (النحو الوافي) لعباس حسن، وقد صنعت له فهارس وأنا في العشرين من عمري، وكنت مولعا بالدراسات اللغوية والنحوية في القرآن الكريم، وكنت أدون ما أكتبه في أوراق وكانت تضيع لأستأنف تدوين غيرها في أوراق أخرى، ثم تضيع ولم أكن أستعمل دفترا لهذا الغرض.
- ولما أنهيت المرحلة الثانوية سنة 1404هـ - 1984م التحقت بالقوات المسلحة الأردنية مع مواصلة التحصيل العلمي بجهودي الذاتية، وبدأت أعنى بالتراجم والتاريخ، واتصلت بالعلماء الأعلام من عام 1406هـ - 1986م أذهب إليهم إذا جمعتني بهم الدار وأكاتبهم وأهاتفهم إذا شط بي المزار - باذلا في سبيل ذلك وقتي وجهدي ومالي، فأفدت منهم فوائد عظيمة قل نظيرها فكملوا نقصي ووسعوا نفسي وفتحوا أفقي فأعد منه ولا أعددهم:
د. ناصر الدين الأسد، د. إحسان عباس - رحمه الله -، الأستاذ حسن الكرمي صاحب المعاجم الإنجليزية العربية، وصاحب برنامج قول على قول ومؤرخ فلسطين أكرم زعيتر - رحمه الله -، ود. محي الدين رمضان ود.عبدالعزيز الدوري، ود. بشار عواد، والشيخ شعيب الأرناؤوط، ود. وليد خالص، والعلامة إبراهيم شبوح، والأستاذ عبدالله الطنطاوي (وهم أردنيون، أو مقيمون في الأردن وهم من غير أهله)، والشيخ حمد الجاسر - رحمه الله -
، ود.عبدالرحمن الشبيلي، يحيى بن محمد بن جنيد، ود. فهد السماري (من السعودية)، ود. عبدالعظيم الديب، والأستاذ وديع فلسطين، ود. محمد نايل أحمد والأستاذ مصطفى حجازي، والدكتور محمود الطناحي ود. عبدالفتاح إسماعيل شلبي - رحمهما الله - (من مصر)، والشيخ زهير الشاويش ود. جورج متري عبدالمسيح، والأستاذ زهير فتح الله (من لبنان)، والأستاذ عبدالوهاب بن منصور، ود.عباس الجراري (من المغرب)، ود.مازن المبارك، ود. شاكر الفحام، ود.عدنان الخطيب - رحمه الله -، ود. عز الدين بدوي النجار،
ود.عبدالكريم الأشتر (من سوريا).
- ومؤرخو اليمن: محمد علي الأكوع وإسماعيل الأكوع ومنهم أيضا الأستاذ صبحي البصام، والدكتور يوسف عز الدين، ود. محمد الصباغ، وقد كرمت الاثنينية بعض هؤلاء.
- هذا وقد امتلكت مكتبة كبيرة فيها أكثر من ثلاثة آلاف كتاب وأحلت على التقاعد عام 1421هـ - 2000م لأتفرغ للبحث والتأليف، مؤثرا البعد عن الأضواء.
- مؤلفاتي المطبوعة (بحسب تواريخ صدورها)
1- فهارس وذكريات علي الطنطاوي 1414هـ.
2- ذيل الأعلام (الجزء الأول) 1418هـ.
3- حمد الجاسر، جغرافي الجزيرة العربية ومؤرخها ونسابتها 1421هـ.
4- محمود الطناحي، عالم العربية وعاشق التراث 1422هـ.
5- إبراهيم السامرائي، علامة العربية الكبير 1422هـ.
6- ذيل الأعلام (الجزء الثاني) 1422هـ.
7- خير الدين الزركلي، المؤرخ الأديب الشاعر، صاحب كتاب الأعلام 1424هـ.
8- التذييل والاستدراك على معجم المؤلفين 1423هـ.
9- نظرات في كتاب الأعلام 1424هـ.
10- ناصر الدين الأسد، العالم المفكر، الأديب الشاعر 1425هـ.
11- تطريز الكساء في التساوي بين أسماء الرجال والنساء 1425هـ.
- مؤلفات على وشك الطبع:
1- عمر فروخ وجهوده في خدمة الإسلام والعربية والتاريخ.
2- الزركلي، دراسة وتوثيق مع تفاصيل صلته بالمملكة العربية السعودية تاريخا وملوكا وأعلاما.
3- ذيل الأعلام (الجزء الثالث).
4- الإعلام بمن ليس في الأعلام.
- مؤلفات مازالت مخطوطة:
1- فهارس كتاب النحو الوافي.
2- موسوعة المعوقين.
وتحدث الشيخ عبدالمقصود خوجة في بداية الأمسية قائلا:
يسعدني أن أرحب باسمكم جميعا بضيفنا الكريم الأستاذ أحمد إبراهيم العلاونة، الذي شرفنا بحضوره من المملكة الأردنية الهاشمية ليمتعنا مشكورا بلقاءين أولهما الأسبوع الماضي، إسهاما مقدرا في الاحتفاء بأعمال وآثار علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله -.. والليلة إذ نحتفي بالأستاذ الباحث أحمد العلاونة إنما نكرم في شخصه كل الشباب الذين لم يركنوا لمجريات الظروف، وتأطير الوظيفة، ومتطلبات العمل، بل نهضوا بحسهم وحسمهم الشخصي لإدارة أوقاتهم وفق طموحاتهم فأنجزوا الكثير الذي لم يدركه بعض المختصين بالمشهد الثقافي
إن المتتبع لأعمال ضيفنا الكريم يعلم مدى الجهد الذي بذله لبناء مخزونه العلمي والمنهجي والتضحيات التي قدمها بطيب خاطر ليخطو بثبات على طريق العلم، وهو طريق شائك لم يفرش قط بحرير أو ورود، فمشى خطاه بعزيمة طالب العلم الذي لا يكل ولا يمل، يحدوه في ذلك حب المعرفة، وتوقير العلماء.. زاده شحيح، ودربه طويل، فخبرته العملية بدأت وانتهت بشرف الجندية.. وأكرم به من شرف.. ثم نازعته نفسه التي تتوق إلى دنيا الحرف نحو
مجالس العلم والأدب والفضل.. فوجد بغيته في تلك الرياض المثقلة بيانع الثمار فرتع كما اشتهت نفسه التواقة إلى نعيم الفكر والأدب، وإن تكبد في سبيل ذلك الكثير من التعب والمال والجهد، غير أنه استهان بكل ذلك ليشبع نهمه للمعرفة.
وبعد أن ملأ عيبته بطيبات قطاف مجالس العلم، وكتب التراث، وتتلمذ على كوكبة من أصحاب الفضل، أدب نفسه بغرس قسم الخلق الكريم تجاه العلماء الأجلاء، ويظهر ذلك جليا في قوله عن أستاذنا الكبير خير الدين الزركلي - رحمه الله - في مقدمة كتابه الموسوم (نظرات في كتاب الأعلام) ولو كان الزركلي حيا، وأنا أدون هذه النظرات لخالطت الهيبة جناني، واختل نسق بياني، وتبلد قلمي عند إجرائه في مضمار النظرات والاستدراك والنقد، وذلك لإكباري علمه الغزير، وجهده العظيم، وتوقيري مكانته الجليلة، وفضله على العلماء والباحثي
إن هذه الكلمات تعكس الفطرة النقية التي تكسو ملامح شخصية ضيفنا الكريم، فالذي يجل العلماء ويجثو على الركب بين أيديهم، إنما يبني لنفسه مجدا أثيلا.
إن ضيفنا الكريم له صبر عجيب في التواصل مع العلماء والأدباء في أكثر الدول العربية والإسلامية، عاش جل حياته في مسقط رأسه (بلدة الطيبة في محافظة إربد) ومن هناك تواصل بالبريد مع كثير من العلماء، وأحسب أن أكثركم يعلم ما للبريد من إيجابيات وسلبيات، ولم تكن خدمة (الفاكس) ميسرة له، وحتى الهاتف كان عزيز المنال في تلك البقعة، إلا أن ذلك لم يثبط عزيمته، فاستمر في تواصله إلى أن آنس في نفسه المقدرة على دخول عالم التأليف والنشر ولم يتهيب التجربة أو يخشى عنت النقد ومشقة الحوارات مع من ينظرون إلى الشهادة الأكاديمية كمفتاح للارتقاء في سلم المعرفة، وما استكان لصعوبة النشر والتوزيع اللذين يمثلان النفق المظلم أمام كثير من المؤلفين.. حتى إن بعض كبار الأساتذة المبدعين يحبذ الاحتفاظ بمخطوطاته في الأدراج لكي لا يجابه إحباطات هذا النفق المظلم، وقد أشرت لهذا السبب تحديدا كدافع أساسي لصدور سلسلة (كتاب الاثنينية) الذي شرفت من خلاله بنشر وتوزيع ستة وعشرين عنوانا في تسعة وثلاثين مجلدا.. بالإضافة إلى طرحها بجانب سلسلة أمسيات الاثنينية التي بلغت عشرين جزءا في واحد وعشرين مجلدا على موقع الاثنينية بالانترنت تيسيرا لعمليات البحث والنسخ على الباحثين في كل زمان ومكان.. وهو موقع كبير يضم اثنين وثلاثين ألف صفحة بالإضافة إلى ألف وثلاثمائة صورة ملونة.. وسوف تصدر الاثنينية أربعين مجلدا تضم إحدى عشرة مجموعة كاملة بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1426هـ - 2005م.
معذرة لهذا الاستطراد، ف(لا يعرف الشوق إلا من يكابده، ولا الصبابة إلا من يعانيها).. ومن منطلق تجربتي عبر هذه الإصدارات، أثمن عاليا الجهود المقدرة التي بذلها ضيفنا الكريم لإنجاز أحد عشر مؤلفا في زمن وجيز حيث أصدر ثلاثة كتب في عام 1422ه، وكتابين عام 1423ه، ثم كتابين عام 1425ه، ونحن لم نزل في الشهر الثاني، وأحسب أنها من جهود العام الماضي، إلا أن حصيلة إصداراته في هذه السنة تبشر بخير إن شاء الله.. وقد جاءت مؤلفاته الأخرى في فترات زمنية متفرقة وغير متباعدة.
إن الكتاب عموما يمر بمراحل حرجة في سائر خطواته: تأليفا، ونشرا، توزيعا، ورقابة، وقراءة.. فالمتلقي - الذي هو هدف كل كاتب - غالبا ما تنطبق عليه المقولة الفرنسية الشهيرة: نصف الكتب لا تنشر.. ونصف الكتب التي تنشر لا تباع.. ونصف الكتب التي تباع لا تقرأ.. ونصف الكتب التي تقرأ لا تفهم.. ونصف الكتب التي تفهم يساء فهمها!! فإذا كان هذا الحديث عن فرنسا فما بال أقوام لا يشكل الكتاب بالنسبة إليهم إلا عبئا أو ترفا؟
إن حاضرنا يصطدم بالأرقام التي نشرتها تقارير التنمية الصادرة عن الأمم المتحدة فيما يتعلق بالثقافة العربية، والتي تذكر أن ما طبع من كتب إسبانية خلال عام واحد يوازي ما طبع من كتب عربية منذ عهد الخليفة الأمين إلى يومنا الحاضر، وأن ما تستخدمه دار نشر فرنسية واحدة من الورق يفوق ما تستخدمه مطابع العرب مجمعة!! ولعل الخروج من هذه الوحدة يأتي عن طرق النشر الإلكتروني الذي أصبح محببا لدى كثير من القراء، خاصة جيل الشباب، فهو جانب من تيار الحياة المتجدد، سوف يسهم بمشيئة الله في الوصول إلى الغاية المنشودة، وهي نشر المعرفة والثقافة والفكر بين أبناء الأمة.
أرحب مجددا بضيفنا الكريم، متمنيا له، ولجيل الكتاب والباحثين الشباب، كل توفيق في مهمتهم التنويرية.. متطلعا إلى لقائكم الأسبوع المقبل لنحتفي بالشاعر والأديب التونسي الكبير المعروف معالي الدكتور نور الدين صمود، الذي له صلات وطيدة مع هذا المنتدى، وسبق له حضور أكثر من أمسية، فهو من الوجوه المعروفة في المشهد الثقافي العربي، والذي سيشرف الاثنينية من تونس الخضراء ليلتقي بمحبيه من رواد الاثنينية.. سعيدا بالتفافكم للاحتفاء به، تقديرا وتكريما لدوره المميز على الساحتين العريبة والأفريقية.
العلاونة في عيون الحاضرين
* عصاميته
- الحاجة محمد علي دولت: الأديب والناشر المعروف أعطى إضاءات حول عصامية العلاونة:
لا يملك حياة عريضة ولكنه يملك عصامية جيدة وأنعم بها من صفة إن العلاونة لم يتخرج من الجامعات، إنه نال الشهادة الثانوية والتحق بعد ذلك بالسلك العسكري ولم يخرج من الأردن إلا منذ سنتين، استطاع بجهده الخاص الاطلاع على أمهات الكتب العربية، استطاع أن يتصل بكبار الباحثين ثم دخل التأليف، حيث اختار المجال الصعب في هذا المجال، وقد أخرج لنا ثلاثة كتب للأعلام، وتحدث عن صعوبة التراجم للأعلام.
طلبه للعلم
إبراهيم عبدالمجيد - باحث بمركز الملك
فيصل بالرياض قدم لمحات حول حرص العلاونة على الاستفادة من المكتبات والعلماء:
أشكر الشيخ عبدالمقصود خوجة صاحب الاثنينية لتكريمه المبدعين في حياتهم، وليس كمن يتذكر المبدعين بعد موتهم واستشهد بقول عبيد بن الأبرص:
أبعد موتي تبكيني وتندبني
وفي حياتي ما زودتني زادا
وأضاف: لقد عرفته مهتما بالعلم والأدب على الرغم من عمله العسكري البعيد عن هذا الجانب، يدفعه في ذلك سمو في النفس وعصامية وتحدث عن حبه لزيارة المكتبات حيث كان يستغل إجازاته العسكرية في زيارة المكتبات، ولقاء الأدباء.
وأضاف: كنت أراه يسارع بالسفر إلى عمان عندما تقام ندوة ولقد تكونت لديه حصيلة معرفية من لقاءاته بهؤلاء العلماء، وأصبح يراسل الكثير منهم فتوطدت العلاقة معهم، كريم خلقه يحتم عليه أن يثني على من قدم إليه معروفا.
استدراكات على استدراكاته
الأستاذ فاروق باسلامة- الكاتب المعروف استدرك على العلاونة وأعجب به ففي ورقته:
نحن في منتدى فكر وأدب تزينه المعلومات نحتفل بهذا الرجل الذي سار في درب خير الدين الزركلي الذي أمضى أكثر من 40 سنة وهو يكتب كتابه الأعلام، إنه عصامي فلا شهادات عليا لديه ولكنه شرف العلم الذي مشى في دربه وقال: وأخشى على العلاونة المضي قدما في الاستدراكات الطويلة التي هي جيدة من النقد، وختم بقوله: إنني أشيد به إشادة عظيمة وبمن احتفى به.
ركوبه المركب الصعب
الشيخ ماجد بن سعيد - رحمه الله - مدير المدرسة الصولنية بمكة أورد إضاءات حول ركوب العلاونة المجال الصعب وتفوقه:
أشكر الشيخ عبدالمقصود خوجة صاحب الاثنينية، أما المحتفى به فهو مشهور ومعروف لدي ولدى من يعمل بالتراجم والسير، وقال: لقد ظننت أن عمره يزيد على الستين مقارنة بأعماله وأضاف: سعيد -رحمه الله- :إن الاشتغال بالتراجم والسير ليس عملا سهلا، فهناك كثير من العلماء لم نسمع عنهم لأنه ليست لهم تراجم فاشتغال العلاونة في هذا المجال عمل شاق يستحق الإشادة به.
دعوته لنقد عمله
الأستاذ محمد بن ناصر العجمي بعثه برسالة من الكويت جاء فيها:
يسعدني في هذه الليلة مشاركتكم في تكريم العلاونة الذي عرفته عن قرب فهو الأديب العصامي الذي كون نفسه بنفسه بحث ونقب مع الجديد والمفيد.
وأضاف:إن هنالك صفة لازمة له ألا وهي دعوته في مقدمة كتابه (ذيل الأعلام) إلى نقد كتابه، وكذلك شكره لكل من ساهم معه.
مكانة العلاونة
- الأستاذ عبدالعظيم الديب أرسل ورقة منها:
حديثي إليكم هذه الليلة في كلمتين:
الأولى: تحية تقدير لمن سن هذه السنة الحسنة الشيخ عبدالمقصود خوجة.
الثانية: تهنئة للمحتفى به فهو ابني وتلميذي وصديقي وأثنى على طلبه للعلم.
دوره في البحث والاطلاع
عبر عن هذا الدور البحثي الرائد الأستاذ عبدالله الطنطاوي - رئيس رابطة أدباء الشام
أحدثكم عن شاب في سن ولدي أسامة، عرفته منذ إحدى عشرة سنة، جالسته فيها، وحادثته، وآكلته، وسافرت إليه ومعه، وناقشته وحاورته وزرته وسبرته حتى خبرته، فأنا، ويا ويح الناس من أنا، عندما أحدث عنه، فإنما هو حديث الرفيق الخبير بأحوال رفيقه (وما شهدنا إلا بما علمنا، وما كنا للغيب حافظين).
عرفت أخي وزميلي الأستاذ أحمد علاونة عام 1993م جاءني زائرا في بيتي المتواضع في عمان، وبعد أن استقر به المقام، وتجاذبنا أطراف الحديث، كما يقولون، قال لي:
- أنت لم تسألني من أنا؟
قلت في ابتسامتي المرحبة:
- سيماكم في وجوهكم من أثر الطيبة والصلاح، وأهلا بك أخا عزيزا دخل حبه قلبي دون استئذان، لمحت طيف ابتسامة ودود تمر سريعا بمحياه، وغض من طرفه الحيي وقال:
- أعرفك بنفسي..
ولم يزد تعريفه نفسه عن كلمات مقتضبات موجزات، ولكنها قربته إلى نفسي، وطمأنتني لزائري وجليسي الذي سمعت به عندما كنت في بغداد، وكنت مرة في زيارتي اليومية للمجاهد العالم الذي كان يحمل سيفه في كتبه، اللواء الركن محمود شيت خطاب تغمده الله بفيض رحمته ورضوانه..
سألني اللواء خطاب عن أحمد العلاونة من إربد في الأردن. فقلت: لا أعرفه، ولم أسمع باسمه.
نهض اللواء ودخل غرفته، ثم عاد برسالة أرسلها إليه أحمد العلاونة، يطلب فيها معلومات عنه.
قلت للواء: لا بأس بإرسال سيرة حياتك له، فهو، فيما يبدو من رسالته، باحث في حياة الرجال، وقد اختارك من بينهم.
وأرسل اللواء إليه سيرته الذاتية، وعلق الاسم بذاكرتي.
وتتابعت الزيارات، وتعانقت الأرواح وتعارفت وتحابت في الله، بعد أن جمعتها أواصر الأدب ورحم العلم، ومن هنا تكون كلماتي الوضيئات هذه، مضئيات لزوايا لا يعرفها الكثيرون منكم عن ضيفكم المكرم أحمد.
أيها الإخوة الأحبة
لقد برز صاحبنا المكرم أحمد إلى عالم التأليف كبيرا.. ما عرف وما عرفنا عنه طفولة ولا مراهقة ولا شبابا في التأليف، كدأب كثير من الكاتبين.. لم يتدرج في التأليف والكتابة، وكان أول كتاب له، كتابه: ذيل الأعلام، وكل من اطلع على الذيل الطاووسي البديع، ظن صاحبه من المؤلفين الكبار ذوي السابقة في التأليف، وصاروا يتساءلون:
أين قرأنا لهذا الكاتب؟
ما الكتب التي ألفها؟
كيف غابت عني كتبه، وأنا دودة كتب؟
كان هذا في سهرة أدبية في بيتي المتواضع، وعندما قلت لهم:
إن هذا الكتاب الكبير هو باكورة أعمال الكاتب.
عجبوا لقولي وارتابوا.. فهم من أصحاب الصنعة، وما كان لواحد منهم مثل هذه البداية الكبيرة..
أجل - يا سادة - ظهر أحمد العلاونة على الساحة الأدبية ناضجا يعي ما تريده منه مهنة الكتابة والتأليف من علم، وأصالة في الشكل والمضمون معاً..
قبل أن يمسك القلم ليخط به أول مؤلف له، كان قد تمكن من أدواته.. تمكن من اللغة بنحوها وصرفها، وتمكن من الأساليب الكتابية، واختار الجزيل منها، لأن الجزالة تتناسب وطبيعة ما يكتب فيه، فجاء أسلوبه جزلا، فصيحا، يندر أن تند منه شاردة، مع أنه يعتمد على تحصيله، ولم يدفع مؤلفه إلى عالم في اللغة ليراجعه له، ويدل على السقط فيه إن وجد..
ذاك العالم البليغ المتضلع الذي ظلم حيا وظلم ميتا، وكادت تضيع كتبه المخطوطة..
أقول: كان الأستاذ العلاونة يبادر إلى أستاذنا السامرائي أو إلى سواه من العلماء، فيسأله على استحياء، وبإجاز شديد..
ولعل العجب، أيها السادة، أن تعلموا أن ضيفكم لمكرم كان عصاميا في سائر أحواله، وخاصة في بابه العلم والتأليف، فهو لم يدرس في جامعة ولم يحمل شهادة عليا كتلك التي يزين بها بعض الكتبة أسماءهم.
وكان الدكتور إبراهيم السامرائي يأباها، ويأبى أن تتقدم اسمه، فهو عليم، وفوق تلك الشهادات مهما علت.
إن الضيف المكرم حبب إليه العلم، وعشق لغة القرآن العظيم، وصبت نفسه الأمارة بالخير نحو محرفة حياة الرجال الأعلام، والطرق التي سلكوها لتكون حافلة، فأقبل على كتب التراجم، يشتري منها ومن مستلزماتها ما شكل مكتبة كبيرة تليق بمن قرر أن يكون كاتبا مجلياً في هذا الميدان الذي يتطلب خبرة، وحذرا، حتى لا تزل به قدم، فيشطح أو يظلم.. وهذا لن يكون بإذن الله الذي هيأ لهذه الأمة علما بزت به سائر الأمم.. علم معرفة الرجال.. علم الجرح والتعديل في رواة الحديث النبوي الشريف.. ومترجمو الرجال من العرب والمسلمين ينحون نحو علماء الحديث في صورة من الصور، وليس كما يفعل المختصون بعلم الحديث.. إنهم يستأنسون بما فعل ويفعل علماء الحديث، وما ينبغي لهم إلا أن يستأنسوا، أما أن يفعلوا فعل رجال الحديث، فهيهات..
وصاحبنا الأستاذ أحمد العلاونة اطلع على كتب الرجال، وبحث في كتب التراجم، ونهل منها وعب، ما جعله خبيرا بها، ثم آل على نفسه أن يكون مثل أولئك الكتابين، فعمل بصمت، ودأب، وجلد، وصبر، وتحرك وهو الموظف المكبل بأكبال الوظيفة، تحرك نحو معاصريه من الرجال، فالتقى من استطاع أن يلقيه منهم في البلاد العربية، وراسل من لم يتمكن من لقائه، وبنى لنفسه شبكة من العلاقات الاجتماعية الحية.. إنه يسعى إلى العلماء والمفكرين والأدباء والباحثين والدراسين حينا، ويكاتبهم حينا آخر، حتى تجمع لديه كم من الرسائل، أرجو أن يقرأها الناس ذات يوم، ففيها من الفوائد ما يدعونا إلى مطالبته باطلاعنا عليها.
الضيف المكرم كان يسعى، ولا ينتظر من الآخرين أن يقدموا المعلومة إليه، مهما كانت، وقليل هم الذين يقدمون المعلومة تطوعا.. يمسكها بعضهم جهلا بأهميتها عمن يقدرها قدرها، ويمنعها آخرون حسدا من عند أنفسهم، وأحمد يعرف هذا وذاك، ويصبر، كما صبر ويصبر على الأدعياء، وعلى من سرقوا شيئا من جهده وعمله.
إن فيه الكثير من أخلاق العلماء.. كنا إذا ضمنا مجلس أبو قيس فيه، تبارينا في الكلام، وفي الحديث عن النفس، وعما فعل كل منا وما كان ينوي أن يفعل.. كانت تأخذنا شهوة الكلام كل مأخذ، وفي سائر الاتجاهات، وكان معظم الكلام عن الذات. كل يتحدث بلسان (أناه) ولا يكاد يتجاوزه إلا ليعود إليه، فما يصبر الواحد منا على سماع ما يتحدث به الآخرون عن أنفسهم وهو ساكت.. كل يحب أن يعجب به الآخرون، وأن يحمدوه بما فعل وبما لم يفعل، إلا أحمد العلاونة.. إلا أبا قيس، فقد كان يؤثر الصمت ويطيقه، ونحن لا نطيقه.. يقلب بصره في المتحدثين، ولا ينبس ببنت شفة، مهما كانت تلك البنت صغيرة.. يأخذ من المتحدثين الذين أرهقوه وأرهقوا أنفسهم بأحاديثهم النشطة عن أنفسهم، ولا يرهق أحمد إلا نفسه بصمته.. وفي الصمت إرهاق يعرفه الثرثارون من الأدباء والسياسيين ورجال الإعلام ونسائه.. إنه، كما قلت، لا يحب أن يحمد بما فعل، فكيف بما لم يفعل؟ هذه خصلة أكبرها فيه، وأفتقدها في كثيرين ممن عرفت مذ وعيت.
وصفة أخرى: بعده عن الغيبة والنميمة، فلم أسمعه ينم طوال تلك السنين، وما سمعته شارك في غيبة أحد في مجلس.. قد يستفسر عن الرجال الذين يريد الكتابة عنهم.. يريد تقويمنا لهم.. يستمع، ثم يعود إلى ما اقتنع به مما سمع وقرأ وعرف..
وهذه خلة عظيمة.. مزية كبيرة، أن تمضي مع جلسائك ساعة من زمن، من دون أن تسلق بلسانك أو تسمع لسان جليسك الذي قد من حديد، يسلق أو يقرض سمعة بعض الأصدقاء وبعض الزملاء، وبعض المعارف وبعض الأقارب.. وليس من السهل أن يمضي الجلساء سهرتهم دون ذلك..
إذا جالس أحمد العلماء سرهم بما يتمتع به من مزايا وأخلاق وشمائل محببة. كالتواضع لهم، والحياء منهم، وبصمته المهذب، وبكلماته الأشد تهذيبا، تلك التي تدل على دينه وخلقه وعلمه الذي ينبثق من بين شفتيه دون ادعاء، ودون حب للظهور بمظهر العالم فيما اختص به من علم.
ومن تلك الأخلاق التي يتمتع بها أحمد، عيش الكفاف، في زهد حقيقي بهذا الحطام الذي يقتتل حوله الناس.. إنه زاهد بما في أيدي الناس، ويأسى لما يراه من أحوال كثير من العلماء والأدباء والشعراء الذين يقتتلون ويتحاسدون ويتباغضون في غير طائل، وكان الأحرى بهم أن يكونوا فوق التوافه التي تفضي بهم إلى القيعان التي يضطرب فيها سائر الناس من السفلة والأوباش ومن إليهم..
لم يتمكن حب الدنيا من قلبه، ورضي بالقليل منها، وهو يحيا بصدق مع نفسه الصافية، ولا يهتم كثيرا بضيق ذات اليد، إلا إذا أراد أن يقدم لأديب أو شاعر ما ينفس عنه كربة من كرب الفقر والعوز، فلا يجد أحمد إلا القليل في جيبه، فيسارع إلى الاستدانة لتنفيس كربة المكروب الذي اطلع على حاله، فأبت شهامته إلا أن تتقدم على استحياء من لا يملك إلا القليل.
ومن أخلاق الضيف المكرم، وفاؤه لأساتذته، وأصدقائه، ومعارفه، ولعلكم عرفتم أنه بادر إلى تأليف ثلاثة كتب عن ثلاثة من هؤلاء: كتاب عن علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، وكتاب عن آخر الفصاح في زماننا: العليم إبراهيم السامرائي، وكتاب عن العالم اللغوي والأديب الدكتور محمد الطناحي، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.
أيها الأخوة الأحبة:
أرجو ألا أكون قصمت ظهر أخي أحمد العلاونة، بما قلت، ولا دققت عنقه، وأنى لي أن أصل إليه في سموقه.. إن هي إلا كلمات، لو عرف أحمد أني قائلها فيه، لرجاني أن أمسك أو أوجز.
كلمة المحتفى به
أزجى الشكر الجزيل للشيخ عبدالمقصود خوجة على تكريمه وقال لقد كانت الاثنينية من أهم مصادري، وشكر المتحدثين الذين سبقوه وأثنوا عليه، وقدم سيرة ذاتية لنفسه وتحدث عن مسيرته مع الأعلام، والتصاقه بكتاب الأعلام للزركلي وقال: لقد كان رفيق دربي.
وقال لقد واجهت صعابا في كتابة التراجم وذكر بعض من استفاد منهم من أمثال: وديع فلسطين - عباس الجراري - ناصر الدين الأسد - د. فهد السماري - د. يوسف عز الدين.
وقال وماله صلة بتكويني إلى جانب مكتبي هو اتصالي بالعلماء اجتماعا ومشاهدة.
أجاب بعد ذلك عن أسئلة الحضور حول بعض الأمور المتعلقة بالتراجم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved