لقد ساعد على انتشار الفكر التكفيري تسلط الدول العظمى على البلاد الإسلامية، وظهور أجيال من الشباب يملؤها الحماس وعدم تحمل الضيم الذي يلقاه أبناء الشعوب الإسلامية المقهورة.
وحين ذهب الشباب الى أفغانستان كانت الجماعات التكفيرية هناك قد ضربت أطنابها آنذاك، وصنفت البلاد الإسلامية والحكام والعلماء (حكاماً وبلاداً كافرة، وعلماء مداهنين)، وقابلت طائفة من الشباب كانت مهيأة لقبول أفكارهم ومعتقداتهم ومخططاتهم، فلم يبذلوا جهداً كبيراً في إقناعهم، ولاسيما أن بعض الشخصيات تميل للعنف والتهور، كما هي سمات أكثر الشباب بهذه السن! وكان الدافع للذهاب الى أفغانستان كثرة ما يسمع عن الجهاد، والرغبة في الجنة، كما وجدوا هناك من يحرص على لياقتهم البدنية وتدريبهم على الأسلحة الخفيفة من رشاشات ومسدسات، وقاذفات RBG والهاون والقنابل وتشريك المتفجرات وطرق تصنيعها، وطرق الهجوم المباغت، وحرب العصابات مع شدة في التدريب وما يصاحبه من عنف، وقلة الطعام، لتعويد الشباب على الصبر والتحمل حيث كانوا أحيانا يأكلون بضع تمرات، أو قطعة خبز ناشفة، فهم يعيشون حياة تقشف أقرب ما تكون لحياة الصحابة التي كان الشباب يقرأون عنها، ويعجبون بها ولم يروها، خصوصاً أن هذه الأمور حدثت أيام الطفرة وما تزامن معها من تكالب على الحياة المادية ورغد العيش! وكانت توجيهات قادتهم وإيحاءاتهم كلها توجه بنفس مسارهم مع الطاعة العمياء للأوامر! فهم في المعسكر يشددون في مسألة السمع لهم والطاعة دون مناقشة، بل تطبيق كامل ومباشر لما يقال، وقد شارك أغلبهم في معارك ضد الشيوعيين بينما قلة منهم تردد ولم يشارك في أي معركة حين رأى الأفغان المسلمين يهاجم بعضهم بعضاً وكل يقول: أنا من المجاهدين! وكلهم يصلي ويصوم ويؤدي الفروض! بينما يقعون في البدع والخرافات.
ويثار الجدل - حالياً - حول المطلوبين أمنياً بأن غالبيتهم ممن شاركوا في الجهاد ضد الزحف الشيوعي آنذاك، حيث الشكوك تحوم حول العائدين من أفغانستان باعتبار أن كل من جاهد في أفغانستان أصبح يحمل الفكر الإرهابي، والحقيقة أنه ليس كل من ذهب لأفغانستان للجهاد أصبح إرهابياً أو يتبنى الفكر التكفيري!! فهناك من ذهب وسلم من الفتنة ممن أدرك أن الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين ونشره ولتكون كلمة الله هي العليا، وليس الغلو والعنف والارهاب وتوظيف الدين لعمل تخريبي، والإسلام خالٍ من التطرف والعنف والارهاب ولا يجوز إضافتها الى الإسلام بأي وجه، فالمتطرف ليس داعياً للإسلام إنما هو داعٍ لآرائه وأفكاره فحسب، ومما زاد من أوار الفتنة أن بعض الدعاة انطلقوا بالتحريض على الجهاد بأسلوب عاطفي وحماسي بعيداً عن النصوص، بينما استند العلماء في مواقفهم إلى الكتاب والسنة، فاعتدّ أصحاب الفكر التحريضي بأنفسهم، ولم يرجعوا إلى أهل العلم وتأثروا بالدعاة ممن لم يعرفوا بالعلم والرسوخ فيه، وبسبب تعجلهم واندفاعهم بعدم الأخذ بأدلة القرآن والسنة والرجوع إلى العلماء أوقعوا أنفسهم في ورطة كبيرة وعظيمة فساهموا - علموا أو لم يعلموا - بقتل أنفس بريئة، وقد كان الصحابي ابن عمر يقول: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)، وهناك طائفة أخرى لم تسلك طريق العنف بيد أن في قلبها بغضاً للحكام والطعن فيهم فتتعاطف مع هؤلاء، وتتأثر بما يقولون وينشرون، ولا سيما أن كثيراً منهم بعيد عن العلم وأهله، ولو رجعوا إليهم لما وقعوا في الفتنة، وجنبوا أنفسهم الإثم، فالمسألة ليست جهاداً بقدر ما هي أفكار وافدة من الخارج ألقت بظلالها على الشباب وغررت بهم وسحبتهم باتجاهها وأوردتهم المهالك حين أبعدتهم عن منهج السلف الصالح وحرفتهم عن طريق الحق عندما استشهدت بأدلة (التترس) التي تعني (إذا كان القتال داخل المعركة وتترس الكفار ببعض المسلمين (أي وضعوهم أمام الصف) فيجوز أن يُقتل هؤلاء حتى يمكن الوصول للعدو!)، ووطننا حالياً ليس في ساحة معركة بينما أبناؤنا يقتلون المسلمين في بلادنا بدعوى التترس، وهذا يناقض الجهاد الحقيقي! بل إنه يعتبر قتالاً وإفساداً وترويعاً للآمنين! وأكثر الشباب المغرر بهم ممن ذهب إلى أفغانستان التقوا جنسيات ذات مذاهب واتجاهات مختلفة عما تعلمه أبناؤنا في بلادنا من تعاليم إسلامية تنادي بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فضلاً عن جهلهم بأمور الجهاد مع دوافعهم العاطفية والحماسية وحب الشهادة بسبب صغر سنهم وضعف إدراكهم، فلم تكن لديهم أدنى حصيلة علمية أو مرجعية فقهية، أو روابط قوية مع العلماء، فهم يقبلون كل ما يعرض عليهم حيث الجهل بالدين وأحكامه، والحماس غير المنضبط يفقد أهم أصول الجهاد ومقوماته وهو العلم { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } سورة النساء (83) .
في المقال القادم - إن شاء الله- سيتم مناقشة آثار الجراح التي أحدثتها التفجيرات، والخسائر التي يتكبدها الوطن، وآلام الفقد التي أوجعته، وفجعتنا!!
|