Saturday 1st May,200411538العددالسبت 12 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الكُتّاب الخائفون... مَن ينقذهم مِن خوفهم؟ الكُتّاب الخائفون... مَن ينقذهم مِن خوفهم؟
محمد علي الهرفي ( * )

سأحاول قدر الإمكان أن أكسر بعض حاجز الخوف الذي يعتريني عندما أهم بكتابة مقالي الأسبوعي، وأقول (بعض) لأن كسر الحاجز كله فوق طاقتي... الخوف الذي يعتريني أجزم أنه يعتري طائفة من الكتّاب الآخرين الذين يمارسون الكتابة في معظم الصحف السعودية ولعل سبب هذا الخوف كثرة الأجهزة الرقابية وعدم وجود قانون واضح لما ينبغي أن يتجنبه الكاتب وبالتالي فإن كل أنواع الرقابة الذاتية التي يمارسها الكاتب على نفسه أو يمارسها عليه رؤساء التحرير لا تجدي نفعاً في أحايين كثيرة ومن يتابع حركة غياب بعض الكتّاب يدرك صحة ما أقول ويدرك في الوقت نفسه أن المقاييس المتّبعة لهذا الغياب يكتنفها كثير من الغموض والتبدل...
الشائع عندنا أنه ليس هناك رقابة مسبقة على الكاتب وهذا صحيح، والشائع كذلك أن رئيس التحرير يملك الحق في نشر المقال أو إيقافه وهذا صحيح أيضاً ولكن هذا كله لا يكفي ولا يحل مشكلة الخوف التي أتحدث عنها، فهناك مقالات يجيزها رئيس التحرير بناء على المعطيات التي يراها وبناء على إجازته لأمثالها ومع هذا فقد يغيب الكاتب عن الكتابة رغم كل هذه الاحتياطات المسبقة ولا يعرف الكاتب في هذه الحالة ولا رئيس التحرير لماذا يتخذ مثل ذلك القرار...
ومرة أخرى لا يعرف الكاتب بأي قانون سيُحاسب إن رأى من يملك المحاسبة وجوب ذلك، هذا إذا اعتبرنا أن كل ألوان المحاسبة آنفة الذكر لها سند قانوني...
مجلس الشورى اقترح في إحدى جلساته قبل مدة وجيزة على وزارة الثقافة والإعلام إعطاء هامش واضح لكل الإعلاميين كي يعبروا عن آرائهم بوضوح ولعل الإخوة في (الشورى) شعروا بمعاناة الإعلاميين وشعروا كذلك بمستوى الإعلام السعودي مقارنة بغيره في معظم الدول العربية ولا أقول الأجنبية لأن المقارنة هنا غير واردة على الإطلاق.
الحقيقة البارزة أن المواطن السعودي يترك إعلامه في كثيرٍ من الأحيان ويلجأ إلى الإعلام الآخر ليستقي منه معلوماته سواء عن بلده أو عن غيره وهذا وضع ينبغي ألا يستمر، ولضمان عدم استمراره يجب إعطاء هامش كبير من الحرية لكل الإعلاميين... الحرية في القول تخدم أبناء الوطن بكل فئاتهم وبكل مراتبهم مهما علت لأنها تظهر لهم الحقائق كما هي دون زيف أو تمثيل وعندما يشعر الكل أن هناك من سيقول الحقيقة سيحرص هؤلاء على الإخلاص في العمل والإبداع فيه قدر الإمكان.
ولعل قناة (الإخبارية) نجحت وتفوقت في تغطيتها للعمل الإرهابي الأخير في الرياض لأنه سمح لها بأن تمارس عملاً إعلامياً دون قيود، هذا الإبداع قد يكون مرده الإخلاص أحياناً وقد يكون مرده الخوف من الفضائح أحياناً أخرى، وعلى جميع الحالات فإن المحصلة النهائية أن الوطن وأبناءه سيجدون عملاً طيباً يحقق لهم أهدافهم وتطلعاتهم.
وعندما تكون حرية القول جزءاً من تكوين الإنسان سنجد أن كل مؤسساتنا دون استثناء قد تحسنت بصورة تلقائية وكبيرة لأن كل صور النفاق ستختفي، والنفاق كما هو معلوم هو الداء القاتل الذي يقود كل الأمم للتخلف المميت.
البداية يجب أن تكون من الإعلام، والإعلاميون الصادقون المخلصون هم الذين يقودون أمتهم لكل الخير ويعملون على إعلاء شأنها... يقولون إن الصحافة هي السلطة الرابعة في المجتمع، فهل هي كذلك في مجتمعنا؟ لا أريد الإجابة عن هذا السؤال لأنني ما زلت خائفاً ولكني أعرف أنها ليست كذلك في معظم الدول العربية حتى تلك التي تتشدق بأنها ألغت وزارات الإعلام لديها كي تعطي الحرية كلها للإعلاميين، صحيح أن هناك تفاوتاً بين دولة وأخرى لكن الحقيقة أنها كلها تخضع لضغوط تحد من الحرية اللازمة للإعلام المستنير.
أقول هذا كي أمني نفسي أن تكون وزارة الثقافة والإعلام في بلدي رائدة في هذا المجال فتسبق غيرها في هذا المجال الحيوي وتقدم لأبناء الوطن خدمة لا تنسى... ولعله من المناسب في هذا السياق أن أشجع كل الإعلاميين أن يقدموا شيئاً عملياً في هذا الاتجاه فيكسروا بعض الحاجز، وهم إن فعلوا ذلك فسيخدمون وطنهم ومواطنيهم كما أنهم في الوقت نفسه سيجعلون مهمة الإعلام أكثر يسراً وسهولة... ولكن حتى يتحقق ذلك، ولست أدري متى سيتحقق، لعلي أقترح على وزارتنا أن تصدر بياناً أو تعميماً - سمه ما شئت - بين آونة وأخرى إلى رؤساء التحرير تخبرهم فيه بالمحرمات التي تورد الكاتب المهالك ليقوموا بدورهم بواجب الرقابة على الوجه الصحيح، تلك الرقابة التي تضمن لهم السلامة أولاً ولكتابهم ثانياً...
قد يقول قائل إن الوزارة وحدها ليست الجهة التي تحلل وتحرم - إعلامياً فقط - وإن الوزارة في العادة تتفهم دور الكتّاب وقد تتعاطف معهم، فأقول هذا معلوم ومعروف ولكنها تستطيع التنسيق مع الجهات الأخرى ومن ثم التنسيق مع رؤساء التحرير... بطبيعة الحال هذا ليس هو الشيء المثالي ولكنه قد يكون الشيء المتاح حالياً... وأيضاً هذا الواقع لن يحقق للوطن مكتسبات كثيرة لكنه أهون من إحساس الكاتب بوجود محرمات يخاف منها في الوقت الذي لا يعرف عنها شيئاً... وكما تجرأت على هذا الاقتراح الموجه للوزارة فإنني أتجرأ مرة أخرى على اقتراح آخر لمجلس الشورى فأقول: ليتكم توسعون دائرة مطالبتكم بإعطاء الإعلاميين هامشاً أوسع من الحرية الإعلامية فتخاطبون جهات أخرى تعرفون أنها تساهم في توسيع أو تضييق هذه الدائرة فتكونون بذلك قد قدمتم لوطنكم خدمة لن ينساها لكم...
وأخيراً فإنني أعرف أن كلمة (الحرية) لا ضابط لها عند كثيرٍ من الناس وهي تقترب بذلك من كلمة (الإرهاب) فكلٌ يستخدمها حسب أهوائه ولهذا فإن ضابطها في بلادي - كما أرى - ألا تتعارض مع ثوابتنا التي نؤمن بها جميعاً...

( * ) أكاديمي وكاتب سعودي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved