تبرز أهمية القيم، وتظهر أصالتها، بثباتها في الأزمات التي تعصف بالأمم المنتمية لهذه القيم، فالأمة التي تتغير قيمها ولا تبقى على حالها عند تعرضها للشدائد والكوارث، هي أمة ليس لها قيم أصيلة، ولا تتمسك بمبادئ ثابتة.
ولو أخذنا مثالاً على هذه المقدمة البديهية، الحالة الأمريكية، لوجدنا صورتين مختلفتين كلياً بل متناقضتين، تناقض الضدين.
فأمريكا قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كانت تزعم أنها موطن الحرية الأصلي، تروج لها، ولحقوق الإنسان في كل محفل، ووضعت ذلك معياراً لعلاقاتها مع الأطراف الدولية الأخرى، ووصل بها الأمر إلى فرض العقوبات على الدول والجماعات التي تزعم أنها تنتهك حقوق الإنسان، كما أنها كانت تدعي أنها مضرب المثل في القضاء ونظم المحاماة، واحترام الحقوق المدنية.
فما إن حدثت هجمات سبتمبر حتى تحطمت هذه القيم واحدة تلو الأخرى، التي طالما افتخرت الأمة الأمريكية بها. فالحريات قيدت، وحقوق الإنسان انتهكت بصورة صارخة، ومنع الناس من التعبير عن آرائهم الشخصية، بل وصل الأمر إلى الساسة وقادة الفكر في أمريكا، فكل من يعارض إجراءات الإدارة الأمريكية يتهم بعدم الحرص على أمن أمريكا، وأنه مفرط بالمكتسبات الأمريكية، فأصبحت هذه التهمة كالسيف المصلت على رقاب الناس.
أما قيم العدل الأمريكية فأصبحت أثراً بعد عين، فالناس يخطفون من الشوارع، والأطفال يساقون إلى المعتقلات دون محاكمة، ودون الحق في توكيل أي محام، ويحالون إلى المحاكم العسكرية.فأين ما ظلت أمريكا تزعمه سنين طويلة من حرصها على نشر العدل، وحصول أي متهم في العالم على محاكمة عادلة؟.
والغريب أن أمريكا لم تغير من سلوكها حيال بعض الدول الأخرى من مطالبتها باحترام حقوق الإنسان، وحق كل منهم بمحام والمثول أمام المحاكم المدنية، وليس المحاكم العسكرية، إنه نوع من التناقض الصارخ والنفاق المفضوح.
إن ما يحدث هذه الأيام من قبل أمريكا في العراق من قتل ومجازر، وتدمير متعمد، ووحشية، فاقت كل ما هو متصور، من أمة تزعم أنها متحضرة.
وخصوصاً ان ذلك يتم في حق مواطنين عزل لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم أمام جيوش أمريكا الجرارة، وترسانتها الهائلة، من مختلف صنوف الأسلحة، إضافة إلى استعانتها بالعديد من الحلفاء الذي تطوعوا للقيام بالأدوار القذرة في هذه الحرب.
فإذا كان لأحداث سبتمبر من نتائج كثيرة، فإن من أهمها إظهار أمريكا في وجههاالحقيقي ، انه وجه مغاير لما كانت تروج له كثيراً، أنه وجه كالح متعطش لسفك الدماء، والقتل والتدمير انه وجه أمريكا الحقيقي، الذي كانت تخفيه أدوات التجميل المصطنعة.
|