ظلت الفلوجة في دائرة الأضواء الإعلامية، وظلت تقدم مثالاً للمقاومة العراقية مع إصرار الجانب الأمريكي على إنزال أقسى الضربات بها، بعد أن تحوّلت إلى رمز لتحدّي الاحتلال الذي طلب المزيد من التعزيزات لمعركة إعادة الاعتبار في هذه البلدة الصغيرة التي تواجه أعتى قوة في العالم.
وعلى الرغم من التوتر الشديد في البلدات الشيعية في الجنوب فإنه يبدو واضحاً أن الأمريكيين يريدون إنقاذ ماء الوجه في الفلوجة؛ ولهذا فإن الهالة الإعلامية في معارك الفلوجة تفوق ما عداها.
ومن المؤكد أن تدمير الفلوجة من قبل القوات الأمريكية، وهو الأمر الذي يبدو أنه يحدث الآن، لن يضع نهاية للمقاومة العراقية، ومع ذلك تبقى هذه البلدة ذات أهمية خاصة؛ لأنها أظهرت قدراً كبيراً من الصمود، وسقط فيها المئات من القتلى، وأظهرت كذلك المدى البعيد الذي يمكن أن تذهب إليه قوات الاحتلال في العنف والتنكيل بالناس من أجل استعادة اعتبارها.
ومن جانب آخر، فإن ما يحدث في الفلوجة يعطي مثالاً لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في بقية أنحاء العراق، إذا اعتقدت قوات الاحتلال أنها تستطيع السيطرة على الأوضاع من خلال القوة وحدها.
ومن المهم جداً مع اقتراب موعد انتقال الحكم إلى حكومة عراقية مؤقتة في30 يونيو أن يصار إلى اتخاذ ترتيبات تمنع تدريجياً هيمنة الطابع العسكري في التعاطي مع العراقيين، وإفساح المجال أمام ترتيبات لإعادة قدر من الثقة بين الاحتلال والعراقيين؛ من أجل تسهيل انتقال السلطة، ولسنا هنا بشأن تصور بعيد عن الواقع يقول بتحوير كامل للأمور بافتراض وجود أجواء من الثقة الكاملة؛ فهذه باتت مفقودة حتى بين من دفع بهم الأمريكيون لتولي شؤون العراق في مجلس الحكم أو في الحكومة التي تعمل تحت قيادة الحاكم المدني الأمريكي.
إن الطموحات في العراق ينبغي أن تأخذ في الاعتبار أن الثقة باتت مفقودة بين الاحتلال والعراقيين، وأنه مطلوب فقط قدر يسير منها يسمح بانتقال شؤون البلاد إلى أهلها، ويهيئ للرحيل التدريجي للاحتلال، أما تصريحات البعض بأن الاحتلال باقٍ لفترات أطول فسوف تكون بمنزلة صبّ المزيد من الزيت على النار المشتعلة أصلاً.
|