* الجزيرة - خاص:
البخل أو الشح جحود لنعم الله على الإنسان، حيث يقول جل وعلا في كتابه العزيز: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، والبخيل إنما يبخل على نفسه، فالله غني عن العباد، والبخل من الصفات القبيحة المذمومة التي قد تعتري النفس البشرية وتلم بها، ولها من الآثار الضارة على الفرد نفسه وعلى أسرته وأمته ومجتمعه الكثير الكثير، ولهذا فإن الإسلام قد عالج هذا المرض بطرق عملية تتفق مع الفطرة السوية.
ولأن البخل أو الشح ظاهرة قد تفشت لدى شرائح كثيرة من الناس، يصبح من الضرورة إلقاء الضوء على مساوئه وآثاره السيئة على علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وكذلك أثره على صاحبه سيما وأن البخل يعده العلماء تفريطا وإضاعة وخيبة أمل تجر على صاحبها الويل، وما يلزم بآداب الإسلام في الإنفاق دون إفراط أو تقتير..
*****
جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
*****
في البداية يقول فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن محمد آل رقيب رئيس محاكم المنطقة الشرقية المساعد: النفس الإنسانية بحاجة إلى ما يقومها ويهذب سلوكها، ويصل بها إلى المستوى الإنساني الكريم، حتى تعيش آمنة مستقرة ومن أجل هذا فقد أوجد الله جل جلاله من الضمانات ما يحفظ للإنسان حياته ويحقق له أمنه وما يضمن له الاستقرار وما يبعده عن مقتضيات هموم الحياة، وقلقها واضطرابها، حتى يستطيع أن يؤدي دوره، ويقوم بواجبه في المجتمع الذي يعيش فيه، ولقد عالج الإسلام أمراض النفوس وأوجد لها الحوافز الوقائية والعلاجية من خلال الترغيب والترهيب والتذكير بالشكر، ومن ذلك داء البخل والشح، فقد عالج الإسلام هذه الظاهرة بذكر مساوئها وبين أثر الإنفاق، وذم الشح والبخل، قال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم مهرة أو فلوة أو فصيله حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد)، ففي هذا الحديث كما في الآية الكريمة والأحاديث النبوية الأخرى تحفيز للإنفاق والبذل والعطاء.
ويضيف الشيخ آل رقيب: لكن مما يؤسف له أن بعض الناس استوى عليه حب الدنيا وإيثارها على الآخرة حتى شغل كل أوقاته بجمعها وحمله إيثار الدنيا على الآخرة على البخل والشح بالنفقات الواجبة والمستحبة حتى أن البعض يبخل بالزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، ولم يعلموا أن الإنفاق من أهم صفات المتقين، فقد قال تعالى: {الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، فقرن القرآن العظيم بين الإيمان وأداء الصلاة والإنفاق، لقد حثنا الإسلام إلى كل خلق كريم ودعانا إلى اجتناب كل خلق مشين والسخاء والجود من مكارم الأخلاق ونقيضه البخل، هذا السلوك الذي تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل) الحديث، ولقد دعا الإسلام إلى إنفاق المال وبذله والانتفاع به وحرص على دفعه لتلبية الحاجات ورهب من اكتنازه والحرص عليه، ورغب في إنفاقه في آيات كثيرة وبين ثواب المنفق وأجره عند الله تعالى، وذلك لأن المال ليس غاية في ذاته، وإنما جعله الله تعالى وسيلة لتأمين متطلبات الحياة والاستعانة به في تحقيق الأهداف.
ويشير الشيخ آل رقيب إلى أن الإنفاق يسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي والتعاون بين الأفراد فيمد الغني يده لمساعدة الفقير، ويساعد القوي الضعيف، ويفرج الموسر كربة المعسر، ويعين القادر ذا الحاجة لذلك، لذا كان الإنفاق طريقا لرضوان الله تعالى وتوفير الأمن عنده لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}، ولا ريب أن الناس في الخير والشر درجات ولكل درجات مما عملوا ولا ريب أن أعلاهم درجة من سعى في الخير لنفسه، ولغيره كما أن أسفلهم من هو بالعكس فينبغي للعبد أن يكون مباركا على نفسه وعلى غيره باذلا مستطاعه ولا يحقرن من المعروف شيئا ويقول أحد الحكماء: (من برئ من الإسراف نال العز ومن برئ من البخل نال الشرف ومن برئ من الكبر نال الكرامة).
البخل من أخطر الأدواء
من جانبه يوضح د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض أن حكمة الله تعالى وتقديره قضت أن يتفاوت الناس في حياتهم في كل شيء، في صفاتهم وطباعهم وأخلاقهم وعاداتهم، وفي ألسنتهم وألوانهم، وتلك آية من آيات الله، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}، ولقد ندب الشرع المطهر إلى طلب الصفات العالية والأخلاق الزكية والأعمال المرضية، وجاءت تدابير الشرع في تهذيب النفوس على ذلك وتكميلها وتقويمها، والأخلاق المذمومة أدواء تصيب النفوس فتهلكها أو تكاد، وتلحق بصاحبها الضرر في الدنيا والآخرة، ولذلك فإن إهمال النفس تفريط وإضاعة، وخيبة تجر على صاحبها الويل، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} ومن بين الأدواء التي تصيب النفوس البخل والشح.
والبخل من أخطر هذه الأدواء وأشدها فتكا بالأفراد والأمم، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم (وأي داء أدوى من البخل)، وقال عليه الصلاة والسلام: (واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم)، وقد جاء ذم البخل في القرآن الكريم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}، وقال تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}، وقال تعالى: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ}، قال العلماء: وكل ما في القرآن الكريم من الأمر بالإيتاء والإعطاء وذم من ترك ذلك، كله ذم للبخل.
ويرصد د. اللحيدان أنواع البخل، فيقول: من الناس من يبخل بماله ومنهم من يبخل بعلمه، ومنهم من يبخل بجاهه إلى غير ذلك من أنواع البخل القولي والعملي، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)، وبين البخل وبين حسن الظن بالله ارتباط كبير، فإن الله وعد بأن يخلف على المنفق ما أنفق، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة)، والبخيل يعرض عن ذلك كله ويظن أن في إمساكه لماله شرفا وفي إنفاقه تلفا، ولو أيقن بالخلف لجاد بالعطاء.
والبخيل يبغضه الناس، وقد قال أحد السلف: تأبى القلوب للأسخياء إلا حبا وإن كانوا فجارا، وللبخلاء إلا بغضا وإن كانوا أبرارا، ومن آثار البخل أيضا أن البخيل محروم من السعادة ولا يعرف للحياة طعما، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان اضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما.
ومن أعظم ما يستعين به العبد على التخلص من هذا الداء أن يستعيذ بالله منه، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، كما أن العلم بفضل الإنفاق، والبذل والكرم، وما أعد الله تعالى لأهله مما يعين على التخلص منه، وكذلك معرفة أضراره في الدنيا والآخرة، ومعرفة الحدود الشرعية للإنفاق والإمساك، فإن الجهل بذلك يجعل البخيل يضن بما عنده لظنه أن هذا اقتصاد في المعيشة وليس الأمر كذلك.
القرآن وإشاراته إلى البخلاء
أما د. إبراهيم بن سعيد الدوسري رئيس قسم القرآن بكلية أصول الدين بالرياض فيقول: إن القرآن الكريم عالج قضية البخل في مواضع متعددة من كتابه الكريم، ولعل قصة البخلاء في سورة القلم تشير إلى ذلك حيث يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ {17} وَلَا يَسْتَثْنُونَ {18} فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ {19} فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ {20} فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ {21} أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ {22} فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ {23} أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ {24} وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ {25} فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ {26} بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ {27} قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ {28} قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ {29} فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ {30} قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ {31} عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ {32} كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
وفي هذا المثل أسلوب من أساليب الإصلاح يقدمه القرآن الكريم في إطار قصة واقعة ويبدو الجانب الأخلاقي في هذا المثل بارزا من خلال بيان حال البخلاء وما يعاقبون به في الدنيا قبل الآخرة من تلف الأموال، إما إراقا وإما إحراقا، وإما نهبا وإما مصادرة، وإما في شهوات الغي، وإما في غير ما يعاقب به البخلاء الذين يمنعون الحق فإنه سبحانه إذا أنعم على عبد بباب من الخير وأمره بالإنفاق فيه فبخل عاقبه بباب من الشر، يذهب فيه أضعاف ما بخل به، وعقوبته في الآخرة مدخرة.
عقوبة البخلاء
ويشخص د. الدوسري البخل بأنه خلق مذموم، وهو من المهلكات، غير أنه درجات، وحد البخل الذي يوجب الهلاك هو الإمساك حيث يجب البذل، ومنه بخل أصحاب الجنة المذكور في الآيات (17 - 33) من سورة القلم، حيث كان عقابهم بسبب إخلالهم بواجباتهم الاجتماعية وعدم إحساسهم ببؤس إخوانهم، فعاقبهم الله بنقيض قصدهم بإتلاف بستانهم الذي ضنوا به على إخوانهم، ويبرز هذا النوع من العقوبة حتى في عبارات القصة {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}، {َأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}، إذ ورد التعبير في العقوبة بالصرم، أي أصبحت وقد ذهب ما فيها من الثمر، فكأنه قد صرم، أي قطع وجذ، جزاء على إقسامهم على أن يجتنوا ثمرها ويحرموا المساكين من خيراتها، وفي هذا دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان.
والعقوبات الإلهية ذات أبعاد سامية، فهي لا تنتهي عند إيقاع الألم على مستحقه، ولكنها في الحقيقة أدوية مفيدة لعلاج القلوب لئلا يتمادوا في شهواتهم فيكونوا هم الضحايا، وذلك ما أشار الله في أعقاب إتلاف زروع أصحاب الجنة وما بدر منهم إثر التلف من كثرة الندم والتلوم، والإحساس بالظلم والطغيان.. مؤكدا أن هذا التحول الأخلاقي الحميد الذي أفرزته عقوبة أصحاب الجنة هو أحد المقاصد الأخلاقية التي جاء القرآن الكريم ليؤكد عليها ضمن أجزيته الإصلاحية، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم صدقهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان).
حالات البخل المذمومة
ويعدد د. الدوسري حالات الأخلاق المرذولة في قصة أصحاب الجنة، فيقول: إن عنوان قصة أصحاب الجنة هو البخل، وهو من أرذل الأخلاق الشخصية والاجتماعية، ويمكن تصنيف هذا النوع من البخل الوارد في السورة ضمن الأخلاق الاجتماعية الممنوعة، لأنه جاء في إطار قصة اجتماعية تواطأ فيها أصحاب البستان على منع حق المساكين فيها، فحين تغلبت النوازع المادية على أهلها طمست بصيرتهم فارتكسوا في حضيض الأخلاق ومستنقع الرذيلة.
ولئن كان الخلق الحسن يورث فضائل جمة، فإن الخلق السيئ يورط صاحبه في الرذائل، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح قد أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)، والشح والبخل معناهما متقاربان، ويطلق كل منهما على الآخر، إلا أن الشح أشد البخل لأنه يكون معه حرص، ولهذا فإن قصة أصحاب الجنة اشتملت على رذائل أخرى سببها البخل، منها:
- التعاون على الإثم والإصرار عليه: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}، {فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ}.
- هجر الطيب من القول والعمل الصالح {وَلَا يَسْتَثْنُونَ}.
- التناجي بالإثم والعدوان {فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ} قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه الإمام البخاري في كتاب التفسير من صحيحه: (ينتجون السرار والكلام الخفي).
- الغضب والحقد {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}، أي غدوا لا قدوة لهم إلا على الحنق والغضب على المساكين، لأنهم يقتحمون عليهم جنتهم كل يوم فتحيلوا عليهم بالتبكير إلى جذاذها.
- الظلم والطغيان: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}، في تركنا الاستثناء في قسمنا وعزمنا على ترك إطعام المساكين من ثمر جنتنا، {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ}، قال أصحاب الجنة: يا ويلنا إنا كنا مبتعدين مخالفين أمر الله في تركنا الاستثناء والتسبيح.
|