* الجزيرة - خاص:
أجمع عدد من المهتمين بالسنة والسيرة على قصور جهود ترجمة الحديث الشريف وما حفلت به السيرة العطرة من دروس ومواقف عن تلبية تطلعات جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من غير الناطقين باللغة العربية، مما يحول دون الاستفادة من هدي النبوة في الدعوة إلى الله، وفي هذا التحقيق نحاول الوقوف على وسائل الارتقاء بهذه الترجمات وتبسيطها، ومسؤولية المراكز والهيئات المعنية بالسنة والسيرة في تقديم هذه الترجمات وضبطها.
****
بداية يقول الأستاذ علي أحمد الندوي رئيس مستشارين بأمانة الهيئة الشرعية لشركة الراجحي: إنه من الملاحظ أنه على الرغم من كثرة الترجمات في اللغة الأردية والإنجليزية لكتب السنة والسيرة مثلاً خلال عقود من السنين يكاد يكون التكلف بادياً في كثير من الترجمات، ولذا من المناسب ان تتولى المراكز العلمية المعنية بشأن التراجم في هذا المجال مهمة إعادة النظر في تراجم الكتب التي تم نشرها وربما وجد أكثر من ترجمة لكتاب مشهور، بالنظر إلى أهميته ولحاجة الناس إليه كما هو الحال ل(رياض الصالحين) للإمام النووي، وفي هذه الحال لابد من انتقاء أحسنها من حيث المعنى بالدقة مع ملاحظة حسن التعبير.
وإذا لما يتيسر ذلك لسبب من الأسباب ومنها عدم وجود التعاون مع جهة النشر مثلاً، او لوجود مشكلة في إصلاح الترجمة المطبوعة سابقاً، يعالج الموضوع عن طريق الإعلان عبر الوسائل المتطورة المتاحة المختلفة، لكي يختار من المترجمين النابهين، أو بطلب ترجمة نماذج من الأحاديث النبوية الشريفة، ووقائع السيرة المطهرة، ويمكن استخدام أدوات حديثة في معرفة الأكفاء المؤهلين.
ويضيف الندوي: ومن المهم جداً ان تتم مراجعة الترجمة من باب الأحكام والتثبت منها من ناحية سلامة الأسلوب وسلاسته، ولا مانع من ان يستفاد من خبرات المتمرسين في اللغة والأدب، وهناك جهات ومكاتب في الدول الغربية تقوم بمراجعة الترجمات وتبسيطها مع مراعاة المعنى، ويجب ان تخطط آلية لكسب تعاون الجهات المعنية بترجمة السنة والسيرة، ولا سيما الجهات الخيرية التي تسعى إلى نشر الدعوة إلى الله تعالى في شتى بقاع الأرض بوسائل علمية هادفة بناءة في الظروف القاسية العصيبة التي يمر بها المسلمون، فليس بخاف ما للترجمات من دور تربوي وأثر كبير في حياة الشعوب غير الناطقة باللغة العربية، ومن واجب المسلمين ان يتعاضدوا في هذا الشأن ويدعموا هذا المشروع ويمدوا بما عندهم لأداء هذه الرسالة.
الارتقاء بالترجمات
من جانبه يقول د. حسين عبدالله العبيدي الأستاذ المشارك رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض: لا شك في أهمية السنة المطهرة لجميع المسلمين باعتبارها المصدر الثاني للتشريع وكذا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم باعتباره القدوة للمسلمين جماعات وأفراداً ودولاً، لذا فنحن بحاجة إلى المزيد من البحوث والدراسات حول السنة والسيرة، لذا فقد أحسنت الوزارة صنعاً بعقد هذه الندوة عن (عناية المملكة بالسنة والسيرة النبوية) لأهمية الموضوع ومسيس الحاجة إليه لنا نحن المسلمين بل وللعالم اجمع.
وخلاصة القول ان الارتقاء بترجمات السيرة والسنة النبوية يحتاج إلى ما يأتي:
- إيجاد المراكز المتخصصة للترجمة المؤهلة بالمترجمين الأكفاء وتكون تحت إشراف الوزارة.
- مد جسور التعاون بين هذه المراكز والجهات الأخرى ذات العلاقة وتبادل الخبرات بينهم.
- تشجيع الجهات المتخصصة على البحوث في هذا المجال من الجامعات وكذا المراكز والهيئات التي تعنى بهذا الشأن.
- ترشيح البحوث المتميزة للترجمة وإيجاد المكافآت للبحوث المتميزة التي يمكن ترجمتها.
- طرح الموضوعات المهمة للكتابة حولها من قبل المختصين ومعرفة ما يهم المسلمين خارج المملكة وذلك عبر الجهات الرسمية.
- العناية باختيار الطلاب المتميزين في الجامعات من غير المسلمين وتأهيلهم في جامعاتنا ليتولوا الترجمة المأمونة الصحيحة.
توظيف النصوص
ويرى الاستاذ د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر سابقاً أن الأمة الإسلامية بحاجة ماسة في هذه المرحلة الراهنة إلى عرض جديد للسيرة والسنة ولا يقصد بالعرض الجديد تغيير شيء او تعديله حاشا وإنما المقصود هو توظيف النصوص، والتوجيهات، والمناهج التربوية والحضارية التي اشتملت عليها كنوز السنة والسيرة في خدمة مجتمعاتنا وأمتنا والدعوة إلى الله وان نستفيد من هذه التوجيهات التي أشار إليها الإمام أحمد بن حنبل منذ عصور قديمة عندما القى وصيته الأخيرة قبل ان يفارق الحياة ووصى ولده قائلاً: احتفظ بهذا المسند فسيكون للناس إماماً اذا اختلفوا في أمر رجعوا إليه فوجودوه فيه. أي ان حلول مشكلاتنا وحياتنا موجودة في اشرف تراث في الوجود ولكننا لا نوظفه ولا نستثمره في الدعوة من خلال ترجمات أمينة ودقيقة إنما نعكف على الدراسة التقليدية دون ان نقتحم بها آفاق المعرفة والحضارة، فالمسلمون في كثير من أرجاء الأرض يجهلون عظمة السنة النبوية ولا يستطيعون الاستفادة منها في أمور حياتهم اليومية لضعف وقلة الترجمات التي تصل إليهم ونأمل ان يكون هناك تعاون بين الهيئات الإسلامية في العالم الإسلامي والهيئات والمراكز في الخارج في هذا المجال وهذا ما يجب أن تبادر إليه الدول الإسلامية التي تملك قدرة إصدار هذه الترجمات لأنها بلا شك لها أثر كبير في لفت الأنظار وتوجيه الأمة ما في السنة والسيرة من حقائق والى حاجة المجتمع إلى توجيهاتها وخاصة في مشكلاتنا العصرية.
تنظيم علمي
أما د. أكرم ضياء العمري أستاذ في كلية أصول الدين جامعة الدوحة - قطر والحائز على جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية فيقول: الطرح الحالي للسنة والسيرة والبحوث التي تتناول هذين الجانبين هذه القضية ينبغي ان تعالج على ضوء التقدم التقني الذي يشهده العالم، فنحن نحتاج إلى عمل موسوعات إلكترونية بكل اللغات، مماثلة للموسوعات العالمية، وهذا هو الجانب الأكثر أهمية في الوقت الحاضر، وهذه الأعمال لا يمكن ان يقوم بها الأفراد، وإنما في إطار عمل مؤسسي ودعم رسمي، ولا يترك الأمر للمؤسسات الأهلية لأنها لا تمتلك الإمكانات العلمية، ولا الإمكانات المالية اللازمة للقيام بمشروع ضخم كهذا، وقد شهدنا أعمالا كبيرة للمؤسسات الخاصة، لكنها لا ترقى إلى المستوى المأمول، فهذا كله يحتاج إلى إعادة تنظيم علمي بالمؤسسات المعنية، وذات الإمكانات، وربما بالتعاون أيضاً مع المؤسسات الأهلية التي قامت ببعض المشروعات القاصرة، لكنها مشروعات سدت فراغاً أيضاً، مع عدم وجود المشروع الكبير الذي تتمثله في إيجاد موسوعة مترجمة للسيرة، وكذلك للسنة ترتقي بالعلمية، وتتسم بالعرض الجيد، مع إمكانات البحث المتفوقة، والقدرة على ربط المعلومات ببعضه البعض، وهذا أمل كبير، ونأمل أن تسهم المؤسسات في المملكة في هذا الأمر إسهاماً فعالاً، وبذلك تخدم الثقافة الإسلامية خدمة عميقة.
تجنيد أهل الذكر
ويرى د. أبو لبابة الطاهر حسين الأستاذ بجامعة الإمارات العربية المتحدة ان المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يسعون بكل ما اتوا من قوة لفهم دينهم أولاً ثم بتقديم هذا الدين في صورة واضحة مشرقة وميسرة لغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى وان الجهود الكثيرة التي تبذلها بعض المراكز أثمرت الكثير الذي نلمسه ونجده واضحا في العديد من الأعمال المشرقة القيمة ولكن الوصول إلى المبتغى المطلوب والى الكمال هذا أمر صعب جداً إلا أن إصرار أهل الخير في المملكة وفي غير المملكة هذا الإصرار الذي يحاول تجنيد أهل الذكر، من العلماء والمتخصصين لتجميل جهودهم في خدمة هذا الدين سوف ترتقي بكل هذه الأعمال القديمة إلى مستويات اكبر وسوف تحقق المبتغى من الوصول إلى ترجمات صحيحة والى تقديم واضح لهذا الدين ممثلا في معاني كتاب الله وفي معاني السنة النبوية الشريفة والسيرة المشرفة .. من هنا نأمل أن تكون هذه الندوة حول العناية بالسنة والسيرة إن شاء الله لبنة مهمة جداً لتحقيق هذا الهدف وهو الوصول إلى الدرجة المطلوبة من الوضوح والبساطة التي تلبي احتياجات المسلمين وغير المسلمين.
الأخطاء والتحريفات
أما د. فهد بن عبدالكريم السنيدي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض فيقول: ندرك ان الحاجة ماسة إلى الارتقاء بالترجمات الخاصة بالسنة النبوية وتبسيط معانيها للناس، ويمكن ذلك باتباع الآتي:
- حسن اختيار نصوص السنة التي قرر المحققون من أهل الحديث صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- انتقاء الأحاديث الجامعة في الدعوة والفقه في الدين من جوامع الكلم وهديه صلى الله عليه وسلم.
- تجنيد أعداد كافية من ذوي الكفاءات العالية والخبرة من المسلمين الأمناء المختصين بالترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى.
- التركيز على ترجمة السنة إلى اللغات الحية المنتشرة اليوم لإبلاغ معاني نصوص السنة والدعوة إلى الله تعالى للناس كافة.
- الاستفادة من الوسائل الحديثة المتطورة اليوم في إبلاغ الحق للناس على وجهه الصحيح، ومنه السنة الشريفة، كالشبكة المعلوماتية (الإنترنت) ونحوها واستخدام الوسائل المتطورة المعينة على الترجمة السليمة.
- مراعاة لغات المخاطبين وتبسيط الأساليب لهم والحرص على الألفاظ الواضحة سهلة الفهم.
- تقويم الترجمات السابقة لمعاني السنة من قبل مختصين ثقات في الترجمات من وقت لآخر، والاهتمام بالارتقاء بتلك الترجمات إلى الأفضل دائماً.
ويضيف د. السندي: ومسؤولية المراكز والهيئات العلمية في تقديم هذه الترجمات وضبطها وتحقيقها كبيرة جداً .. ولعل مما يجلي هذه المسؤولية استشعار المراكز والهيئات العلمية الشرعية ذات الصلة بهذا الشأن لمسؤوليتها تجاه السنة، وإبلاغها لغير الناطقين بالعربية، واضطلاع هذه المراكز والهيئات العلمية فعلاً بدورها في ذلك من ذات نفسها، وبتوجيهات الأكفاء القائمين عليها. كذلك اطلاع المراكز والهيئات عن كثب على الحاجة الواقعية الماسة للعالم الإسلامي إلى ترجمات السنة وان ما يوجد منها اليوم ما يزال محدوداً لا يلبي تطلعات المسلمين الحقيقية في مشارق الأرض ومغاربها، ليدركوا مدى التقصير في سد هذه الحاجة أداء لهذا الواجب.
يضاف الى ذلك ان الترجمات القائمة اليوم في كثير منها قصور عن الوصول إلى المستوى اللائق بالسنة المطهرة وان ذلك ناتج عن ان الأمر قد وكل لغير أهله، نتيجة لتواني عدد من تلك المراكز والهيئات العلمية عن القيام بواجباتها في ترجمة السنة النبوية.
|