حب الرسول صلى الله عليه وسلم شرط لصحة إيمان المسلم، فلا يؤمن أحدنا حتى يكون المصطفى - عليه أفضل الصلاة والسلام - أحب إليه من نفسه، وماله، وولده، والناس أجمعين.
وفي السيرة العطرة مشاهد جليلة تجسد فيها مدى حب الصحابة -رضوان الله عليهم- للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقبل راضيا أن ينام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، وهو يعلم جيدا أنه يعرض نفسه للقتل، لكنه الحب الحقيقي الذي لا ينفصل عن الإيمان بأن الله الذي بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالحق قادر على نصره، وفي طريق الهجرة كان أبو بكر - رضي الله عنه - يسير مرة أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه خشية عليه من الرصد والطلب، وقبل أن يدخل الغار قام بتهيئته وسد الشقوق فيه خشية من الهوام حتى أنه وضع عقبه في أحدها فلدغته عقرب، وذلك كله من أجل حماية النبي صلى الله عليه وسلم، وبدافع ذلك الحب الذي غرسه الإيمان في نفوسهم.
وفي غزوة أحد يكتب الصحابة أعظم صور التضحية والفداء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم وهم يقدمون أرواحهم دفاعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم حبا له، وابتغاء رضوان الله، وثواب الشهداء، فهل تعلمنا كيف نحب نبينا الذي جاء بالخير والهدى للإنسانية جمعاء.
المتأمل في أحوال المسلمين يتأسف وهو يرى فئاماً من الناس رفعت حب الرسول صلى الله عليه وسلم شعارا لها، وراحت تتغنى بسيرته وجانب العظمة في حياته بطريقة غير شرعية، وأفعالها وممارساتها اليومية تناقض ما يقولونه، وتكذب ما يزعمونه، بل ربما وقعت هذه الفرق في بعض الأخطاء، والتجاوزات التي هي إلى الخزعبلات، والخرافات، والشرك - والعياذ بالله - أقرب.
وجماعات أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها تتطاول على السنة والسيرة النبوية، وتشكك في مصداقية كثير من الروايات، تحت دعاوى أن ما ناله القرآن الكريم من عناية في تدوينه، وحفظه في الصدور، والصحف في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تنله السنة أو السيرة، وتجاهل أولئك المشككون أن حب الصحابة - رضوان الله عليهم - للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جعلهم يقدمون أرواحهم دفاعا عنه أولى به أن يجعلهم يتنافسون في حفظ كل ما يصدر عنه من أحاديث، ومعرفة كل ما يعرض في سيرته من مواقف، وأفعال.
وإذا كان أتباع النظريات، والمذاهب الفلسفية يحفظون، ويتشدقون بآراء مؤسسي هذه المذاهب الوضعية، أليس من الأحرى، والأكثر مصداقية أن يحفظ الصحابة الأبرار والتابعون الأخيار والعلماء الأفذاذ أحاديث المبعوث رحمة للعالمين - صلوات ربي وسلامه عليه - ويتنافسون في ذلك، بل ويحرصون على توريث ما يحفظون لأبنائهم، وأحفادهم، ولاسيما أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومواقفه لم تكن نظريات جامدة في كتب على أرفف المكتبات، لكنها كانت أسلوب حياة أمة، يقودها الرسول صلى الله عليه وسلم، وحوله رجال أحبوه، وآمنوا به، وبرسالته، وفئة من الناس غير قليلة تبخل على نفسها بتذاكر سيرته العطرة والتعبد لله بالصلاة والسلام عليه إذا ذكر اسمه أو جاء وقت حثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة والسلام عليه فيه كيوم الجمعة، وفئة أخرى لا تشكك ولا تتغنى ولكنها تزهد في لزوم سنته، ووجوب محبته، بالاستهزاء بأهلها، والداعين إليها، بل بتمجيد المخالفين لها، الخارجين عليها، ومدح أفعالهم، وهذا لعمري من أشنع صور المحاربة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
إن الحب الحقيقي للرسول صلى الله عليه وسلم يتجاوز حدود الكلام إلى ضرورة الاقتداء به في كل أعماله، وأقواله وأخلاقه وتعاملاته، وبذل الغالي والرخيص في الدفاع عن سنته المطهرة، وسيرته العطرة بعيدا مجرد التغني بهذا الحب، من دون تقديم عمل يدل عليه. صلوات ربي وتحياته وبركاته وسلامه على حبيبنا وسيدنا وقرة أعيننا محمد بن عبدالله صلاة دائمة إلى يوم الدين.
|