لو تأملنا معظم عناوين الندوات والمحاضرات واللقاءات الفكرية التي تمت على مدى العامين الماضيين، لوجدناها محاولة ربط، أي يبرز بها الظرف المكاني (بين) بشكل بارز مما يجعلنا نتأكد أن هناك حالة انقطاع. وأن هناك جسوراً في طريقها للتهرؤ وليست بقادرة على حمل المجتمع إلى الضفة المقابلة.
لاحظوا معي... (الواقع والمأمول، الماضي وتحديات العصر، الطموح والواقع، الأمس واليوم) جميع هذه المتضادات تحضر بقوة في أسماء الفعاليات العلمية والفكرية التي تتم لدينا بصورة دورية، ولو قرأنا الخطاب المستتر خلف هذه المتضادات لشعرنا بأن هناك شعوراً جمعياً كبيراً يشير إلى اتساع الهوة القائمة بين الواقع وبين الطموح، أي أن هناك واقعاً كسيحاً عاجزاً عن الخوض في اللجة عاجزاً عن تجاوز الحواجز والسدود والانخراط في المضمار.
إن الإحساس بهذا الواقع والإقرار بقصوره والإشارة إلى حلم أو طموح أو مأمول مرتقب، هو إقرار مستتر بثغرات الواقع، ولكن الملاحظ على هذا الزخم المرافق للفعاليات العلمية والفكرية، كونها تنحصر في نطاق التوصيف والرصد للمشكلة أي أنها تكتفي بلغتها العلمية الراصدة والمحللة، مع قائمة فخمة من التوصيات، تلك التوصيات التي تقع عادة في لزوجة شرك أنظمة بيروقراطية (عتيقة) مهولة قادرة على اقتناص أي مشروع وعرقلته وربطه بالعشرات من الأنظمة والقوانين المعوقة.
فالبنيان الإداري الذي قامت عليه العديد من مؤسسات المجتمع الرسمية، ما برح يخضع لآلية تعود لآلية (الباب العالي) في العصور العثمانية، حيث الدمغة والتوقيع وتراتبيه وظيفية تخلق مركزية قادرة على تكبيل المنجز وضموره بل وإصابته بالرثاثة.
مهما كانت الأفكار والمقترحات والرغبة في التطوير جديدة ونضرة وطازجة وممتلئة حماسةً وطموحاً، طالما أن الآلية التي ستأخذها على أرض الواقع وهي عبارة عن شبكة عنكبوتية كبيرة من الأنظمة الإدارية البالية والمتهرئة بل والعاجزة عن مواكبة نضارة الفكرة، فستتحول كل توصية كل اقتراح، كل منجز إلى.......... بئر عميقة سوداء تبتلع في قرارها السحيق.
|