الرأي هو طريق.. ربَّما يكون ذا اتجاهات مختلفة وعدة مسارات وربَّما يكون ذا اتجاهٍ واحدٍ ومسارٍ واحدٍ.. كل ذلك يحدده صاحب ذلك الرأي من خلال موقعه وعلمه وعقله.. وظروفه.
والإنسان كالسيارة في طريق الرأي.. يمكن أن يكون في الأمام ويمكن أن يكون في الخلف.. يمكن أن يكون تابعاً ويمكن أن يكون متبوعاً.. ويمكن لو خالف الصف أن يصل بشكل أسرع.. ويمكن أن يدعس ولا يصل أبداً..
أخطر طرق الرأي هي التي تسير في اتجاه واحد فقط وبسرعة ثابتة وتطلب من الجميع أن يتبعوها.. وإلا حاربتهم.
ما قلته في المقالة الماضية كمقدمة، وما أقوله اليوم، وما سأقوله في المقالة القادمة، إنّما هو استجابة أوردة فعل، آثارها تصريح صحفي للدكتور خضر القرشي نائب وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات، نشر في الصفحة الأخيرة من جريدة الجزيرة يوم السبت 13-2- 1425هـ يقول: أن لا صحة لإدخال التربية البدنية لتعليم البنات في مراحل التعلم كافة، وإن الوزارة تحث الجميع على عدم الانسياق خلف الشائعات التي تسعى إلى التشويش وخلق الفتن وبعثرة الأوراق. (انتهى التصريح). تصريح مخيف.. فهو يعني أن المجتمع سوف يرى في التربية البدنية للبنات زرعاً للفتنة وبعثرةً لأوراق الوطن!.. وأنا وكثيرون غيري لا نرى في ذلك بأساً، فهل يعني ذلك أننا من هؤلاء.. زارعي الفتنة ومبعثري أوراق الوطن؟.
هل نحن أقلية خارجة عن الصف.. أم نحن أغلبية صامتة؟.. وأن من يرى في التربية البدنية للبنات بأساً هم تيّار صغير لكنه مؤثر في المجتمع بفعل خطابه وتنظيمه؟.
الدولة- حرسها الله- احترمت الشأن الاجتماعي وتركته لنفسه وتياراته الناشئة فيه دون توجيه قسري.. وهي بذلك فعلت الفعل المنطقي العقلي الصحيح فهكذا تنمو المجتمعات النمو الصحي السليم.
يقول الرسول- عليه الصلاة والسلام-: (من بدا جفا) أي غلظ طبعه وقلبه لقلة مخالطته للناس.. ويقول علماء الاجتماع: إن المجتمعات البدائية تتسم بصفات التخلف.. وأهم إفرازاته الانغلاق ورفض الآخر والاستعلاء والشك والشدة والجمود والانعزالية.
وباستثناء الحواضر فإن سكان الجزيرة العربية في مجملهم من البادية.. بما تمثله من قساوة وجفاف وشدة.. وهذا ما أثر في الفكر الاجتماعي.. الذي صار يرى في التشدد سمواً ورفعةً أكبر.. ويرى في التيسير تساهلاً وخنوعاً.
إن الفكر المتشدد وجد الأرض الخصبة لدى أفراد مجتمع جفاة كما وصفهم الرسول الكريم بحكم البيئة الجغرافية، وما ترتب عليها من فكر وسلوك اجتماعي.. المشكلة إن هذا الفكر والسلوك الاجتماعي أضيفت عليه القدسية بطرحه على أنه فكر ديني قائم على الدليل من الكتاب والسنّة، والواقع إنه ليس كذلك في مجمله.
الدولة كان لها موقف صلب ننعم بنتائجه الإيجابية اليوم وهو موقف الملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله- من تعليم البنات حين رغب المتشددون من منع البنات من التعليم.
إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها على العالم الإسلامي كافة وعلى المملكة خاصة أثارت التساؤلات محلياً وعالمياً، وفتحت ملفات جميع القضايا للنقاش وتبادل الآراء للخروج بأفضل الحلول.. واليوم نحتاج لقرارات للفصل ما بين ماهو متشدد متزمت وبين ماهو موروث اجتماعي ألبس عباءة التزمت والغلو.. كما أننا نحتاج لدعم الدولة لنشر مبادئ ومفاهيم وقيّم الّسلام الصحيح من تسامح وتعايش واحترام وتعارف ويسر.. وإلا فإن بيئة الغلو والتشدد سوف تستمر في إنتاج المتطرفين والمغالين.
وإن ترك أمر الحراك الاجتماعي لشريحة واحدة دون تدخل الدولة ليس في صالح الوطن ولا المواطن.
|