Thursday 29th April,200411536العددالخميس 10 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

السعوديون وقيمة العمل السعوديون وقيمة العمل
أربعة شالوا جمل.. وسليمان الراجحي
محمد بن ناصر الاسمري

هنالك مثل عامي يقول: (أربعة شالوا جمل والجمل ما شالهم) وكان من أهازيج العمل في الدرس والبناء والحمالة والجمالة. غناء جميل حلال يبعد المشقة والعناء، ويزيد من النشاط الجماعي والفردي كما هو الحداء والملاقاة في النداء والفداء.
وفي ظني هذا السياق له ما يرفده معرفياً وذهنياً من الحث والحض على التعاون في مواجهة الصعاب والعمل بروح الفريق، بدل الفردية قليلة الناتج والإنتاج والعائد من النفع والدفع. إن تشبيه أربعة بحمل الجمل، وهو لا يقدر على حملهم أو حملهن، هو في مظنة الحقيقة أكثر منه في المجاز. لكن على نفس المعيار والمسار فإن ضعف الجمل عن حمل الأربعة قد لا يكون عجز عي ولا غي، بل ربما أن الجمل قد شلت حركته بسوء تدبير وضع القتب و - أو الحمل وترتيبه، وهذا ما قد يغير من المعنى الشعبي من الشيل إلى الشلل الذي يعني تعطيل الحركة والقدرة على التفكير والإنتاج والإنجاز.
هذا المدخل قادني إليه ما أراه من قلة التقدير والاهتمام بقيمة العمل التي كانت عنوان المراجل والمدائح في سلوكياتنا وبنائنا المعرفي، حين كان الأجداد والآباء عمالا في المزارع وتجاراً وسائقين وعمال بناء، بدءاً من نظرية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (إذا رأيت الرجل يعجبني، فإذا قيل لي لا عمل له سقط من عيني)، أو نظريته الأخرى: (أعطه فأسا ليحتطب).
الشيء العجيب ما يشاهد اليوم من الحراك الثقيل في مسار فئات غير قليلة من السعوديين ذكوراً وإناثاً، ربما كان من مسببات هذا التثاقل - الترهل هو التراكم الثقافي الناتج عن فكر الانغلاق وقلة التواصل مع الثقافات العالمية. لكن هذا غير ذي وجاهة ولا منطق؛ فبلادنا هي بؤرة العولمة بسبب مواسم الحج والعمرة منذ وجد الحرم في مكة المكرمة قبلة ومحجاً، ووفقا لما لها من سمة الانفتاح في التلاقح الحضارية والاتصالي والتأثر والتأثير من خلال الثقافات المتنوعة من غالب أقطار العالم حيثما وجد مسلمون ويفدون للحج والعمرة نتعامل معهم في مطاراتنا وموانئنا وطرقنا ووسائط النقل وفي الفنادق والسكن والأسواق. ويزيد على هذا الطيف المتماوج موجات العمال الذين وفدوا إلى بلادنا من أكثر من 300 جنسية، تمخر شوارع القرى والمدن صباحاً ومساءً بحثاً عن الرزق والارتزاق,.
وفي المقابل أجد أن غالب العربات المنطلقة مع بواكير الصبح تحمل طالباً أو طالباً ومعه ثلاثة أو أربعة ينطبق عليهم منطوق الأغنية الشعبية الفولكلورية التي بعنوان (يحيى عمر يقول)، والتي من كلماتها: أربعة يغنون وأربعة يحنون، وأربعة يمشطون، وأربعة يقولون: يا سيدي تمش، سائق ومعه حرمته وشغالة، يرافقون في بعض حواضر التنمية طالبا أو طالبة إلى المدرسة، أي 3 مقابل واحد. وهذا له من دلالات البطالة شيء غير قليل، هنا فهل في الأمر مظنة بسوء وعدم حمل الناس على المحمل الحسن وحسن الظن، وكأن الأمانة والدين قد عدما، ولا بد من رقيب على كل شخص، بل لعل الأسوأ أن سائق الحافلة التي تقل 40 طالبة فأكثر لا بد من وجود زوجة محرم له وهي في الغالب لا أجر لها سوى وجودها رقيبة على الزوج الكادح، خشية الاختلاء بهذا العدد الضخم الذي تجوز به صلاة الجمعة والجماعة.
كل بقاع الأرض مهما اختلفت الديانات والثقافات، وحتى لو ثمل السائق فإن الناس في وسائط النقل كل إلى غايته، في رحلات منتظمة على مدار الساعة فيها دفعات من الطلاب - الطالبات والمعلمين والمعلمات دون مرافق ولا محرم أو شفيع، اللهم إلا ما كان من وجود مشرف على طلاب المدارس في المراحل الأولية والروضة؛ لكي يدربهم على الاعتماد على النفس بدءاً من الانتظام في الطابور للركوب، وربط الحزام والالتزام بآداب النقل العام واحترام كبار السن. وقد درسنا هذا في كتب الدراسة، وطبقناه في بدايات عمل شركة النقل الجماعي حيث كان للنساء مقاعد منفصلة في مؤخرة الحافلات.
وكل هذا تحفيز للاعتماد على النفس والاعتداد بالنفس في حرية التصرف لمواجهة متطلبات الحياة بروح من الجدية والثقة، بل حتى المعوقين يعلمون هذا السلوك، أما عندنا فالعكس هو الصحيح، رغم أن ديننا يحثنا على إحسان الظن بالناس والنظر للأمور على أنها في الأصل حل وكل ما على الأرض زينة لها. هنالك أيضا مسألة الاتكالية وعدم العمل حتى في أيسر الأمور مثل خم الدار أو ترتيب غرفة النوم للأولاد باتت من مهام النافعات - الشغالات - وربما كانت بقايا روائح فراش الزوجين هي ما تستصبح به العاملات. بل ربما بات التمتع بطبخ الأمهات والزوجات من الموبقات فقدْ فقدَ التطبيق للتدبير المنزلي، ولم تعد جل البنات يعرفن طريقة عجن الفطائر أو محشي الكوسة، وهذا واضح الأثر في بناء بيوت الزوجية.
إن المرأة الجميلة في العمل هي من كانت تعمل بالمغزل وهي تنتظر إكمال عمل آخر، كل ذلك في ثقافتنا وفي الثقافة العالمية، فأنا أرى نساء كثيرات في القاطرات والطائرات ووسائط النقل في أغلب دول العالم، وهن يمارسن الغزل حتى لكنزة للمواليد بل وللأزواج. ولا أنسى أستاذة لي في دراستي العليا في أمريكا كيف كانت تهتم بهذا النشاط حتى في مقهى الكلية. لقد أدت سلوكيات الاتكالية والاعتماد على العمالة الرديئة في المنازل وبعض الأعمال التافهة إلى نشوء ثقافة كراهية العمل وعدم الجدية في البحث عن دخل وريع والتحول إلى الرضا ببيع الخضار وأعمال الحراسة التي لا هيبة لها ولا فراسة، سوى عيش الكراشة والفراشة. إن هذا كله خداع وخيبة للأجيال القادمة التي لن تجيد من الأعمال سوى الكسل وكراهية الأعمال، وتعلم الكسل والخنوع والضياع. الشيء العجيب أن يتنطع البعض بجواز سفر المعلمات بين المدن والقرى مع سائق ربما لا يعرف جغرافية الوطن، في الوقت الذي لا يؤتمن المجتمع عليها في وسائط النقل العامة في المدن. هل نحن شعب متوحش لا يؤمن لنا جانب؟
لقد كان في مثالية الشيخ الجليل في القدر والمقدار سليمان الراجحي القدوة للأجيال في حب العمل والإنتاج، فقد تابعت ما أذيع من قناة فضائية الأسبوع قبل الماضي من تسجيل للقاء الذي تم في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض عن تجربته في الحياة. وأنا كنت أعجب من بكور الشيخ في السفر إلى الحريضة والليث ليتفقد مزارع الربيان، وفي الجوف لتفقد مزارع الأغنام رغم ما قد بلغه من العمر، والأقرب للغبطة هو أنه وحتى يحين موعد الطائرة يذرع صالات المطار مشياً لكي يمارس الرياضة، والرجل يملك مليارات من الدولارات والأملاك، ومع هذا تراه يخدم في منزله الضيوف ولا يخجل من ذكر بدايات عمله في بيع الفحم والعمل صبيا لدى رجال أعمال أولهم أخوه صالح، والراجحي ليس هو المثال فقط فهنالك إسماعيل أبو داود في جدة الذي أدخل صناعة الصابون وغيرها، وعبد الرحمن فقيه في مكة الذي زرع ثقة في دجاج فقيه والطازج، وهنالك تاجر الأرزاق في الأحساء المهيدب، وتاجر الأدوات الصحية والحديد المديهيم والفدا، وتاجر التجهيزات المكتبية والحاسب الآلي عبد الرحمن الجريسي، وتجار السيارات الجفالي والحاج علي رضا والجميح والعيسى وسعد الوعلان، وتجار المواشي في جازان، والتمور في الأحساء ونجران وبيشة والجوف، وأبناء محمد بن لادن معلم التشييد والبناء وغيرهم كثير. ولعل في خطوة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض قدوة ومثالا لبقية مؤسسات التثقيف والتدريب والتوظيف؛ لكي تنشر مثل هذه الثقافة في أوساط الجامعات وكليات المجتمع والوسط الشعبي إشاعة ونشراً لثقافة العمل.

* باحث ومستشار إعلامي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved