هامة عالية، وشجرة وارفة الظلال، وثراء اجتمعت فيه قيم تربوية وأدبية وثقافية وفكرية، وإنسانة جمعت بين أفضل ما في العصامية وأقوى ما في عراقة المحتد وأصالة الجذور، فأصبحت في عقول الناس ووجدانهم حقيقة لا تنسى.
إنها خيرية السقاف الأديبة المبدعة والباحثة الناقدة والصحفية المتمرسة وأستاذة الجامعة التي ترجمت العلم تربية، والأدب إبداعاً، والنقد إنصافاً، والصحافة أمانة، وتعيش حياتها رسالة وعطاءً ليس لهما حدود.
منذ ما يقرب من أربعين عاماً وخيرية السقاف تصدع بالإبداع خدمة للدين وللوطن والأمة، بالكلمة حروفاً مكتوبة في الكتب والصحف والمجلات، وحروفاً مسموعة في قاعات المحاضرات بالجامعة والملتقيات العامة وفي وسائل الإعلام.
وبالفعل سلوكاً ومعاملات ترجمه تواضعها الجم، وحبها للخير - وهي خيرية - وعلو همتها - وهي سقاف - والسقف أعلى ما يمكن في كل مكان، وليس في كل إنسان، ولكن خيرية السقاف - وأمثالها قليلون - ممن ينطبق عليهم ما تعنيه أسماؤهم.
ما تولت خيرية السقاف مسؤولية وتركتها، إلا وتركت من بعدها عطراً يتضوع، وقدوة تتبع، وعملاً طيباً مخلصاً يذكرها به من جاء بعدها بكل خير فعرف ذلك كل من تعامل معها على مقاعد الدرس من تلميذات وفي الجامعة من زميلات، وفي كافة مجالات الحياة من نساء ورجال.
(الأدب) تعبيراً بالسلوك، و(الأدب) تعبيراً بالكلمات رسالتها في الحياة، والتعبير بالسلوك ينحصر في حياة صاحبه أما التعبير بالكلمات فهو أدب يبقى يعلم الناس عصوراً بعد صاحبه وما طبع في كتب من أدب خيرية السقاف المكتوب يعد قليلاً قياساً إلى ما لم يطبع.
لخيرية السقاف تاريخ حي في المقالة الصحفية والمعارك الأدبية أدعوها للالتفات إليه وتنقيحه وإعداده في كتب لأنه ليس جزءاً من تاريخها بل جزء من تاريخ الصحافة السعودية، ولها أبحاث ودراسات نقدية ولها مجموعات قصصية كتبتها، كل ذلك ينتظر النشر؛ ففي أبحاثها ودراساتها خريطة عقلها، وفي قصصها مرآة وجدانها وقد اتسع هذا الوجدان وازداد ثراء بعد صدور مجموعتها الأولى (أن تبحر نحو الأبعاد) (1402هـ) ونحن بحاجة لدراسة تطورها الفني وتجربة عمرها الزاهر حياتياً وفكرياً في ما كتبته بعد تلك المجموعة.
وإذا توقفت خيرية السقاف عن نشر قصصها القصيرة - رغم ثقتي انها لم تتوقف عن كتابتها - فإنها لم تكفّ عن التدفق وجدانياً، فالفلسفة التي حملها كتابها الأخير (عندما تهب الريح.. يعصف المطر) تعبر بصدق عن شباب وجدانها المتدفق بالحب، المؤمن بالعطاء، المتألق بالحكمة البالغة والثراء. هذه الحكمة وذلك التدفق الذي تطل به على قراء صحيفة (الجزيرة) كل صباح في عمودها المميز (لما هو آت) بلغة فاقت في شاعريتها شعر الشعراء، وفكر ينتشل الإنسان من أوحال الأنانية، ودناءة الحقد، وأوهام الغرور ويسمو به إلى رحاب الإيثار والعطاء، وراحة العفو والتسامح، وعظمة التواضع وإنكار الذات.
ما قرأت لها مقالاً إلا ووجدتني أقف متأملاً ما جاء فيه فأجد قوة تعينني على ضعفي البشري، وحكمة تعلمني ما فاتني في دنياي، ونصيحة أدخرها لما هو آت من حياتي.
هذه هي خيرية السقاف.. تكريمها يجب ألاَّ يتوقف عند الكتابة عن شخصها بل يجب أن يمتد إلى نتاجها فندرسه، وكتبها المخطوطة التي تنتظر النشر فنطبعها، وهذه مسؤولية تقع على عاتق الجهات التي تملك حق الطباعة والنشر.
اطبعوا كتب خيرية السقاف فإنها لم تكتب لما فات، إنها تكتب لما هو آت. والأمم الحية عندما تفعل ذلك فإنها تعبر عن احترامها لذاتها واهتمامها بمستقبلها من خلال طباعة أعمال من يستحق من فلذات أكبادها.
يا خيرية أنت خير كثير..
وسقف عالٍ لقيم سامية وأخلاقيات عظيمة..
|