في مثل هذا اليوم 9 ربيع الأول من عام 1327ه (1909م)، اشتعلت انتفاضة في عاصمة دولة الخلافة الاسلامية (استانبول) تطالب بإلغاء الدستور الوضعي والعودة الى تطبيق الشريعة الاسلامية، واسقاط حكومة الاتحاد والترقي التي تسلطت علي السلطان عبد الحميد الثاني وأجبرته على سن ذلك الدستور.
وقد ضمت هذه الانتفاضة، المشهورة في التاريخ العثماني، عناصر من رجال الدين وأئمة المساجد وبعض المتصوفة، وكذلك عناصر عسكرية من جنود الحامية العسكرية المرابطة في إستانبول. وبلغ الحماس بالمنتفضين إلى حد أن حاصروا مجلس المبعوثان (المجلس النيابي) ومبنى الباب العالي، وقتلوا عددا من الضباط والجنود، وأطلقوا الأعيرة النارية في شوارع العاصمة، وكانوا يصيحون بأعلى صوتهم: (فلتعش الشريعة المحمدية)، وفي الوقت نفسه أرسلوا وفدا إلى السلطان يطالبونه بتنفيذ رغباتهم، فلقيت مطالبهم استجابة منه، وأمر بتأليف وزارة جديدة لتنفيذ هذه المطالب.
اتهمت حكومة الاتحاد والترقي السلطان بتدبير هذه الانتفاضة العارمة، واتخذوا من ذلك ذريعة للتحرك وتحقيق أمانيهم القديمة بخلع السلطان عبد الحميد؛ فتحركت سريعا واحتل جيشها العاصمة، واجتمع مجلس (المبعوثان) مع أعضاء الأعيان، وقرروا خلع السلطان عبد الحميد، وتعيين أخيه (محمد رشاد) سلطانا للدولة باسم محمد الخامس، وكان رجلا مسنّاً في الرابعة والستين من عمره لا يملك من أمره شيئا، وذلك في 6 من ربيع الآخر 1327ه (ابريل 1909م).
وندب (المجلسان) وفدا لإبلاغ السلطان بقرار العزل، تكوّن من أربعة أشخاص من بينهم يهودي يسمى (قرصو أفندي) كان يكنّ شديد العداوة للسلطان المخلوع لأنه طرده من قصره حين حاول التأثير عليه لقبول تهجير اليهود إلى فلسطين، فوجد في هذه المناسبة فرصة للتشفي والانتقام؛ ولهذا لم يكن غريبا أن تسهم الحركة الصهيونية بكل أجهزتها الإعلامية والسياسية في حملات التشهير بالسلطان عبد الحميد، الذي كان حَجَر عثرة أمام أهدافهم ومؤامرتهم لتهويد فلسطين.
جمعية الاتحاد والترقي
وجدير بالذكر أن السلطان عبد الحميد قد تعرض لهجمة شرسة من قبل خصومه وأعدائه، فألصقوا به كل التهم، التي تشوّه صورته في العالم العربي والإسلامي، ولم يكن ذلك إلا بسبب رفضه إعطاء اليهود أي جزء من فلسطين، ودعوته إلى إحياء الخلافة وتقويتها وتبنّيه للجامعة الإسلامية، ووقوفه أمام أطماع أوروبا.
وكان وراء هذه الحملات المنظمة، الدعاية الصهيونية، والجمعيات العلنية والسرية، ويقف على رأس تلك الجمعيات ، جمعية الاتحاد والترقي، وهي منظمة سرية ظهرت سنة 1308هـ (1890م)، واستقر بها المطاف في مدينة سالونيك، وكان أكثر أعضائها من الأتراك العثمانيين، يليهم اليهود ثم بعض العرب، ومعظم هؤلاء من الضباط العسكريين، ويستهدفون القضاء على حكم السلطان عبد الحميد.
نجحت الجمعية في حمل السلطان عبد الحميد على إعلان الدستور في 23 من جمادى الأولى 1326ه - 23 من يوليو 1908م، وأجريت الانتخابات العامة، وتولت الجمعية الحكم -وقد سبق أن أصدر السلطان عبد الحميد الدستور للمرة الأولى في مستهل عهده، ثم لم يلبث أن عطّل العمل به - واستأثرت الجمعية بالنفوذ، وأصبح السلطان عبد الحميد لا حول له ولا قوة.
|