لا يسع المفكر المدرك لواقع الاقتصاد العالمي إلا أن يتأمل في الساحة الاقتصادية مظاهر العرض الصناعي والتجاري العام، فيدرك أن العرض قد تغلَّب على الطلب في السلع والحاجات المُستهلكة! وأن مطلب الإنسان المحتاج للسلعة التي تناسبه والمنطبقة على المواصفات القياسية التي يتصورها في ذهنه الإنساني والاجتماعي، لايكاد أن يكون محققاً لأمله أو تصوره، الشيء الذي يهدر شيئاً من وقته وجهده وماله، ذلك أن المعروضات من السلع ذات أشكال صناعية قد لا تنفع الشاري فيضطر إلى البحث عن مواصفات أخرى للسلعة المطلوبة فلا يجد!.
ويرى بعض المحللين للواقع الاقتصادي العالمي أن ظاهرة جلب الرخيص من السلع المعروضة في الأسواق العامة هي السبب في طمع الجالب التاجر للكسب المرتفع بأسهل الطرق والأساليب. ولا يعني هذا التاجر أصالة المطلوب من السلع المصنوعة في الخارج والتي طال كثيراً منها انهزامية الفكر الاقتصادي عند هؤلاء التجار الجشعين ذوي الطموح المالي السريع، غير المنضبط بوازع أخلاقي أو عملي. المهم لدى الكثير منهم ثرائية المردود التجاري المربح. وجلب السلع الرخيصة الصنع ذات الهشاشة النوعية والمغري من الناحية الشكلية. وهذا يعترض ومبادئ البيع والشراء لا من الجانب الإنساني فحسب بل من الجانب الديني والتقليد الاجتماعي الذي عوَّد الفرد في مجتمعه على القيم الاجتماعية الحميدة والخصال المجيدة والتحلي بها وارد في الأساس وقائمٌ ما دام شرع الله في الأرض وظله فيها يرف بالأمن الاقتصادي والأمان الاجتماعي، والحرية الفردية التي لا تتعارض مع الثوابت. وثمة أمر وارد وهو ظاهرة الوجود في هذا الجانب من الحديث ألا وهو تسلل عناصر للبيع مهلكة للصنعة والبركة أيضاً: وذلك باتخاذ عروض زهيدة الأسعار وبطرق غير قانونية شرعا وغير منضبطة نظاماً، الأمر الذي يزيد الطين بلة ويضيف للدجى سواداًّ! والحياة التجارية تعقيداً.
إن الفكر الاقتصادي في الدين والمجتمع يؤهل التاجر والصانع والعامل بمقومات العمل التجاري والاقتصادي وبقيمه الأساسية من نظر لمصلحة المجموع، ولذلك ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ}.
وهذا أمرٌ صريح بعمومية العملية المالية والاقتصادية والعملية.. عملية العمل في التوفير والاتجار والعمل العام؛ والاقتصاد والمعاملات المالية والتجارية بوجهٍ عام. وهو أمر يتطلب الإخلاص من البائع التاجر حتى يعطي المشتري حقه، ويأخذ -هو- ربحه بالتي هي أحسن: ولْيَخْشَ الله من مضاعفة الربح في السلعة الواحدة أضعافاً مترادفة.
إن العملية التجارية بحاجة إلى ضبط عمل بوازع إيماني ومخافة من الله فالرسول صلى الله عليه وسلم قد استعاذ بالله العظيم من الغلاء والجوع نسأل الله العافية واللطف.
لذلك فليغيّر التاجر تصوّره الاقتصادي على ضوء الأسس والمبادئ في الاقتصاد الإسلامي، والمعاملة المالية بحيث يراعي كل ذي حقّ حقه ولا يظلم ربك أحداً.
فإذا راعى التجار ذلك يمكن للفكر الاقتصادي أن ينهض بالعمليات التجارية والمالية من تصنيع واتجار وبيع وشراء وصرف واستثمار، الأمر الذي ينعش السوق التجارية والبورصات المالية والحسابات البنكية. وليكن تصّور هؤلاء للبيع صافي التفكير عظيم التقدير، لا أن ينحصر الاهتمام.. اهتمامهم في الكسب للكسب والجمع للجمع والاستثمار للتكديس فحسب، لأن هذا التصور خاوي التقدير ويضاد التفكير الإنساني السليم. وذلك لانحيازه للأنانية المالية والفردية والمكاسب السريعة بلا طائل إلا طائل الجمع من أجل الجمع ولا غير.
إن بركة الأموال في حلال تعاملها وجمعها بحُسن ومراعاة وانضباط وتزكية وتصفية وتطهير بما ورد في التعاليم.. تعاليمنا الدينية والانسانية والاجتماعية ولتكن نظرتنا للمال انه مال الله وأنه الحق تبارك وتعالى خير الرازقين وأكرم الأكرمين، فالأموال قد أودعها لنا ليرى من مِنا أحسن عمله فيها وكيف أنفقها وفِيْمَ أنفقها. والله من وراء القصد.
|