* عمان - فن:
المسرحية الأردنية (الغريب) ذهبت نحو منطقة جديدة من مناطق الفرجة المسرحية وهي تقدم شكلا متطورا لمسرح الفرجة غير الشعبي. المسرحية بحثت في ماهية (الغريب) عن الوطن وعن الذات. وجمع ما بين الغربتين غربة الروح، المسرحية رغم قصرها بدت مكثفة جدا وبذلك وضح ما يريد قوله المخرج عن الغربة.
أحمد الدهشان سبق له ان تميز بمسرحية (هستيريا) وزاده تميزه في مسرحية (الغريب) التي ألفها وأخرجها بطريقة، وان بدت بسيطة، فانها عميقة بما حملته من مضامين، سواء على صعيد الشكل او المحتوى، فالشكل كان على هيئة مقهى التف الجمهور حول حركة الممثلين المتواضعة، وكأنهم في حالة غير معهودة من التعارف.
مسرحية الغريب تميزت برؤية اخراجية قادتها بهدوء نحو أفق معرفي بحث في مفهوم الوطن بالدرجة الأولى، فالوطن كما قال ل الجزيرة في المسرحية ليس مكانا نسكنه بل انه ما يسكننا، سواء أكان ذلك الوطن المفترض وطنا أم مكانا، والمخرج لم ير في أي مكان حميمية أدق من حضن الأم: (لا بد ان يكون ثمة وطن، شيء كحضن الأم يشدنا اليه حنين او شيء يشبه الحنين) من هذه الفكرة البسيطة انطلقت المسرحية في معالجة رزينة، ودافئة.
من هو (الغريب) في المسرحية؟ كان الوطن هو الغريب، وحوله دارت الحوارات الثنائية ما بين الممثلين: (حسن حجازي)، (أحمد دهشان)، وغربة الكائن عن (وطنه) اشد انواع الغربة، وحسب المسرحية هي أشد وطأة من غربة الذات وجوانيتها المتناقضة. وان كانت غربة الوطن هي مدار معالجة مسرحية (الغريب) الأردنية، فانها تجلت بشكل آخر في المسرحية البحرينية التي قدمها مسرح (الصواري) ومثلها: حسين العريبي، نجيب جلال، لمياء الشويخ، والغربة التي عالجتها مسرحية (حب بطعم الشوكولا) ذهبت منطقة (الانترنت) لتقول انه إرث البشرية، وجاء ذلك من خلال علاقة بين شخصين هما زوج وزوجة اكتشف بعضهما البعض من خلال عالم (الانترنت) المفترض، وتعارفا على بعض من جديد وكأنهما لا يعرفان بعضهما البعض، وفي هذا شكل جديد من اشكال العلاقات التي يفرضها عالم الانترنت.
وتلك العلاقة مجروحة بأمراض عديدة أبرزها (الوهم) المشاعري الذي يصيب ذهنية الكائن ويؤكد على انانيته، كل ذلك كان واضحا في المسرحية التي فشلت في تقديم مشهدية واضحة المعالم ما بين مشاهدها التي بدت مفككة تماما وبلا جمالية، رغم الفكرة الواحدة التي جمعت ما بينهما.
المسرحية أخفقت في ابراز جماليات هذا العالم المفترض (الانترنت) وأكدت على مقولة (العولمة) التي باتت تجتاح العالم من خلال وسائل الاتصال الحديثة والتي، كما قالت المسرحية، تهدد العلاقات البشرية، وكأن عالم الانترنت جاء أصلا لغاية (العلاقات البشرية) وليس لغايات حضارية.
الانغلاق سمة بدت واضحة في العرض الذي كرر ما يود قوله مرارا بلا أي جدوى ومبرر لذلك، ولعل في ذلك ما يذكر بعرض (النمر) البحريني الذي عرض العام الماضي ضمن مهرجان المسرح الاردني الحادي عشر (حب بطعم الشوكولا) مسرحية طرحت قضايا وبحثت في وجهات نظر وغاب عن بال مخرجها الذي بدا انه اكثر من واحد أهمية الرؤية المشهدية التي هي بالضرورة رأسمال اي عرض مسرحي حقيقي.
العرض الثالث الذي قدم ضمن عروض ايام عمان المسرحية مسرحية (الصبيحي) التونسية التي اعاقت اللهجة وصول مضامينها كاملة للمتلقي، والمسرحية التي ألفها ميكي لاتورش، وترجمها توفيق الجبالي، واخرجها لطفي عاشور.
(الصبيحي) الانسان الذي يحب العمل في الحراسة بين العمارات والبيوت منذ صغره يعيش في غربة عن مجتمعه، حاله بذلك حال المفكر والشاعر، وعلى الأخص انه انسان يعيش تحت الرقابة باستمرار. المسرحية قدمت محمولات مرئية وسمعية واضحة وهامة، رغم ان اللغة الحوارية غير واضحة، المسرحية مثلت فيها دمى في حجم الانسان قام بتصنيعها فنانان وتتحرك منها ضمن المسرحية.
|