قبل شهور كنت في زيارة لمبنى الإدارة العامة للمرور بدعوة من إدارة العلاقات العامة لإلقاء كلمة بعد صلاة الظهر، وقد ألقيت كلمةً بعنوان (الإبداع في لغة التخاطب)، ثم التقيت - ومعي الابن أسامة - بمدير عام إدارة المرور العميد فهد البشر - عافاه الله، وأحسن عزاءه فيمن فقد من زملائه في الحادث الإجرامي الذي جرى -، وكان معنا عدد من المسؤولين في الإدارة، وقد دار الحديث بيننا عن أهمية الإبداع في لغة التخاطب بين الناس وأهمية الكلمة الطيبة في حياة البشر، وضرورة تدريب رجال المرور على استخدام الكلمات المناسبة في أحاديثهم مع الناس، خاصة وأن العلاقة بين رجل المرور والناس - على اختلاف مستوياتهم - علاقة متواصلة.
(الإبداع في لغة التخاطب) تنطلق من قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وتنطلق من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وهذه المعاني العظيمة في مجال كلمة التخاطب بين البشر تدلُّ على عظمة ديننا في رعاية حقوق الناس، والإحسان إليهم والبعد عن إيذائهم بغير حق، ولذلك ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن سِبابَ المسلم فسوق، وصوَّر القرآن الكريم الإساءة بالكلمة إلى المسلم بصورة منفِّرة { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}
هذه المعاني هي التي دارت في حديثنا في تلك الجلسة مع العميد البشر وبعض المسؤولين الفضلاء في إدارته؛ إدارة المرور العامة، وكان تأييده وتأييدهم لهذه المعاني كبيراً، وكانت قناعته بأهمية موضوع الإبداع في لغة التخاطب لرجل المرور قناعة كبيرة، وأكدَّ لي في ذلك اللقاء أنه فرح حينما رأى الإعلان عن الكلمة التي ألقيتها بهذا العنوان، وأنه شكر العلاقات العامة على هذه الخطوة الطيبة.
الإبداع في لغة التخاطب، هذا ما ننادي به في ظل شريعة إسلامية سمحة تدعونا إلى الكلمة الطيبة، والقول النزيه، وتحثُّنا على إفشاء السلام، والبعد عن بذيِّ الكلام، والحرص على عدم جرح مشاعر الناس بما لا يليق من الأقوال والأفعال.
لم نكن في لقائنا ذلك مع مدير عام الإدارة العامة للمرور في الرياض سعادة العميد فهد البشر، ومع زملائه نتخيَّل أنَّ لغة التخاطب التي ننادي بالإبداع فيها، وبحسن اختيارها سوف تُنْسَفُ نسْفاً بتفجير آثمٍ في لحظة خاطفة، لم نكن نتوقَّع أن لغة الإبداع ستغدو أشلاءً من جرَّاء ذلك الاعتداء الآثم الذي هزَّ أركان تلك الإدارة الآمنة وجدرانها، وقتل بعض رجالها، وجرح الآخرين.
حينما صلينا الظهر في مصلَّى الإدارة العامة للمرور كان المصلى مليئاً بالناس، وكان عدد كبير من الموظفين يتلون كتاب الله سبحانه وتعالى قبل الصلاة، ويصغون باهتمام إلى ماحدَّثتهم به من حديث الإبداع في لغة التخاطب.
كيف تجاوز الذين دبَّروا لذلك الحادث المروِّع، والذين نفَّذوه حدود القرآن الكريم والسنة المطهرة بهذه الصورة الشنيعة؟.
سيظل يا عميد (فهد) الإبداع في لغة التخاطب مطلباً لنا جميعاً بالرغم من لغة التفجيرات الظالمة وفقكم الله، وأحسن عزاءكم فيمن مات من زملائكم، ونسأل الله عز وجلَّ أن يعيد ضالَّ المسلمين إلى الرشد، وأن يحرس أمن بلادنا وبلاد المسلمين جميعاً من المخرِّبين والمرجفين.
كما أسأل الله عز وجل أن يعافي الجرحى الذين ينامون على الأسرّة البيضاء بسبب عمل طائش أثيم.
ستظل الكلمة الطيبة شجرة طيبة كما رسمها القرآن الكريم وسنظلُّ أهلها اقتداءً بأفضل الخلق عليه الصلاة والسلام.
إشارة
لله نُسْلِمُ أمرنا
في كل بائقةٍ تبُوقْ |
|