* تغطية - عبدالله هزاع:
أقام مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية محاضرة بعنوان (التيارات الفكرية في العالم العربي) للدكتور محمد الرجراجي بريش الخبير في الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية والأمين العام بمركز الأمير عبدالمحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية بالشارقة، تناول خلالها المحاضر مآلات التيارات المتدافعة في واقعنا المعاصر بالاضافة إلى التيارات الجديدة التي ظهرت في الوقت الحاضر ومدى حظها في البقاء والنماء وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية وهي تحديد المفاهيم، واصول تعدد التيارات الفكرية، وواقع العالم العربي الراهن.
حيث اشار إلى التعصب للفكر مذهب لجانب هام من الفكر ومانع لتبليغ مضمونه لطالب العلم، وعائق في وجه تطويره عبر الاستفادة من المخالف في الفهم، وتطرق الباحث إلى مفهوم العالم العربي من حيث التاريخ حيث قال: مصطلح (العالم العربي) مصطلح حديث، وهو بهذا التركيب اطلقه الغرب حيث تطلعه لسيادة العالم لتمييز كتلة بشرية وجغرافية تختلف عنه تاريخاً وثقافة وديناً في بدايات إعداده لغزوها، وتهيئة المناخ الفكري والثقافي لتحميس رجالاته وجيوشه للهيمنة عليها. كتلة ظلت تشكل بالنسبة لطموحاته التوسعية حتى اليوم عقبة لا يمكنه الاطمئنان لها بحال، خاصة وان لها من المقومات الثقافية والحضارية ما ينذر بزوال بريق قيمه الذاتية.
ونحن نقول في حق المصطلح انه قد صاغه الغرب، لا ندَّعي أن لأهل الغرب براعة الاختراع بخصوصه، أو اننا صفر اليدين من صناعته. ولكننا لا نستبعد استعماله بشكل ضئيل في ادبياتنا حين البدايات الأولى لتمزق الأمة، وهذا شيء لم نستطع اثباته لعدم وجود المصطلح بالقواميس والمعاجم المتداولة وقتئذ ثم انتقل للحديث هذا المصطلح من خلال التركيب حيث تسأل هل كان الغربيون حين صياغتهم لمصطلحات من مثل (عالم عربي)، و(عالم اسلامي) و(عالم ثالث)، و(عالم نام) و(عالم متخلف) يقصدون مجرد النحت لتعاريف وتصنيف تنموية نابعة من مفاهيهم، أم كانوا يقصدون نعت شعوب واقوام يرون بينهم فوارق أساسية في العرق والجنس ثم أجاب ان ذلك يحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيب والتدقيق المصطلحي التاريخي.
واشار الباحث من خلال المحور الثاني في المحاضرة إلى ان هناك سننا قارة ثابتة هي اصل تعدد التيارات الفكرية بين البشرية منذ خلقها الله عز وجل، واكتفى بذكر اربع من هذه السنن، سنة التدافع، سنة التداول وسنة الاختلاف، وسنة التمييز.
وذكر الدكتور الرجراجي في محاضرته ان تعدد الآراء والأفكار ليس كله شر، بل من طبيعة الناس ان يختلفوا في وجهات النظر واستنتاجات الفكر، فلكل حظه من العقل والحكمة، لكن المقيت هو ذلك الاختلاف الذي يصل إلى حد الشتيمة، والقذف، والتجريح، والاخراج عن الملة، والنيل من الاعراض، والوصف بخوارم المروءة، والاتهام بالعمالة للأعداء، مما نسمعه اليوم في شتى وسائل الاعلام.
بل وجدنا من تلاميذ العلماء من ينال من شيخه، ويحط من قدر أسلافه، ولم يسلم منه عداء أعداء الأمة بل الطامة الكبرى ان هناك اطروحات جامعية تمت مناقشتها في العديد من الجامعات بوطننا العربي نالت درجات تقدير متميزة، كان مضمونها في معظمه نيل من علماء، ورجال فكر لا ذنب لهم الا ان الطالب المناقش أساء فهم عقيدتهم وبواطن ايمانهم، ويحمّل نصوص كتبهم ما لم يقصدوه ولم يسعوا إليه ثم تطرق المحاضر لواقع العالم في الوقت الراهن.
حيث قال:والناظر لحالة العالم العربي، والمتفحص لهزاته، والمحلل لتقلباته التي زلزلت العالم أجمع، لا جرم انه مؤيد لنا في الجزم بأن العالم العربي يُشكل قطب الرحى في حركة العالم المعاصر. فمعظم الهزات والتقلبات التي عرفها العالم في هذا القرن، وخصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة، كان محلها وساحة انطلاقها أو تجليها العالم العربي والإسلامي ولئن تم تخطيط معظمها خارج مجال نفوذه، وتم تدبير ما هو كيد منها من جهات تتربص الدوائر بحصونه، فالمسرح كان دوما تلك الرقعة التي تنعت جغرافيا بالعالم العربي والإسلامي وإن كانت صعبة التحديد، والمصاب والمتأثر سرمدا - الى ان يشاء الله وتنهض الأمة - دول وشعوب العالم العربي والإسلامي، وان عمت البلوى جهات وشعوبا شتى لا تدين دين الاسلام.
من هنا تأتي أهمية معالجة واقع هذا العالم ومستقبلاته الفكرية والثقافية والسياسية، ولا أذكر فيما اعلم منظمة أو هيئة أو دولة عظمى - تسعى للعظمة - لا تدخل ضمن اهتماماتها ونظام معلوماتها وبناء علاقاتها هذا الجزء الهام الفاعل من العالم المعاصر الملقب بالعالم العربي الإسلامي. فنحن امام بدهية واضحة جلية يمكن التعبير عنها بالكلمات التالية: (العالم العربي حقيقة جغرافية وديموغرافية، وقوة حضارية تاريخية، لها مميزاتها الثقافية، وخصوصياتها الدينية، بل ومهمتها الرسالية. تنعم بالخيرات طبيعية وبشرية, وتتفاعل مع الأحداث سياسية وفكرية ومذهبية. تتفجر على ساحاتها وفي محيطها وداخل بنيات مجتمعاتها سنة التدافع الدائمة. تجري لمستقر لها في عصور قريبة بدت بعض بشائره لا محالة مدركة له، محدود الزمن ظرفي التاريخ، لا نخاله إلا عهدا من الشهود التنموي والعمراني تعروه محن، وزمن من الحضور العلمي والفكري به دخن، وفترة من تطبيق الشريعة وتعميق الدعوة بعد الفتن, يكون لها فيه نوع من التمكين لحضارتها ورسالتها عريقة المجد، قوية الفعل، دائبة الحركة).
ثم تطرق للتدهور الداخلي وماعاناه الوطن العربي من الاستعمار والنفوذ الأجنبي.
واختتم الدكتور الرجراجي محاضرته بالاشارة إلى ان من يعتمدون نظرية المؤامرة لتفسير الواقع انه ليست هناك نظرية بهذا المدلول ولكنها سنن ثابتة قائمة تدل على تصرف فئات قيادية من غير المسلمين مع المسلمين.
ثم فتح الدكتور عبدالرحمن الزنيدي باب المداخلات من الحضور والتي كانت ثرية في طرحها.
|