في مثل هذا اليوم 7 ربيع الاول من عام 543هـ رجع الصليبيون، بعد حصار دمشق وفشلهم في دخولها، يجرون أذيال الهزيمة، وبعد أن عجزوا أيضاً عن تحقيق أي هدف من وراء حملتهم التي حشدت لها أوروبا رجالها وإمكاناتها، فلم تجنِ من ورائها إلا المزيد من الهزائم والمزيد من القتلى والدماء، وضاعت هيبة الصليبيين في (الشام)، وانحطت مكانتهم وضعف سلطانهم.
فقبل القيام بهذه الحملة تضافرت الجهود في (أوروبا) من أجل مساندة الوجود الصليبي في الشرق، ودعمه ومساعدته على الصمود والبقاء وعدم الانهيار. وأسفرت تلك الجهود عن تبني فكرة الحملة الصليبية الثانية التي نبتت في بلاط (لويس السابع) ملك فرنسا سنة 540 (1145م) والذي كان معروفًا بتعصبه الشديد للمسيحية، وأقرها مجمع فزلاي (Vezely) في شوال 540هـ (مارس 1146م)، ثم استجاب لها الإمبراطور كونراد الثالث، إمبراطور ألمانيا في رجب 541 هـ (ديسمبر 1146م).
وقد تألفت تلك الحملة من جيشين كبيرين على رأس أحدهما لويس السابع ملك فرنسا، ويقود الآخر كونراد الثالث إمبراطور ألمانيا. وتقرر أن تسير الحملة برا إلى بلاد الشام، وتم الاتفاق على أن يسبق كونراد وجيشه إلى الشرق، ثم يلحق بهم لويس والفرنسيون إلى القسطنطينية حتى لا يؤدي مسير الجيشين معاً إلى صعوبة في التموين.
السلاجقة يهزمون كونراد الثالث
عبر كونراد الثالث خليج البوسفور إلى آسيا الصغرى على رأس قواته، وزحف بهم نحو الشرق، وبدلاً من أن يسلك طريق الشاطىء الجنوبي لآسيا الصغرى محتميا بالقلاع والمدن البيزنطية المنتشرة على الشاطئ، اختار كونراد أن يخترق أراضي السلاجقة، الذين سرعان ما أحسوا بهم، وانقضّوا عليهم وقتلوا عددا كبيرا منهم، وأسروا آخرين، وهو ما اضطر كونراد إلى التراجع بمن بقي من فلول جيشه المُمزَّق، حتى وصل إلى نيقية بعد أن تكبد خسائر فادحة.
لويس السابع يقود الحملة
أما لويس السابع فقد سار بجنوده حتى وصل نيقية، حيث فوجئ بفلول كونراد الثالث، واختار لويس أن يسلك الطريق الجنوبي المحاذي لساحل البحر المتوسط، ليجنِّب جنوده المصير الذي تعرّض له الجنود الألمان. واستمر لويس في تقدمه حتى وصل إلى أنطاليا - إحدى المدن البيزنطية الحصينة على الشاطىء الجنوبي لآسيا الصغرى - وأراد لويس العبور إلى الشام بحرا فنقل جنوده على دفعات إلى (الشام) بالسفن.
وعندما وصل لويس السابع إلى بيت المقدس استقبل استقبالا حافلاً، وتم عقد مجلس صليبي كبير، ضم لويس السابع وكونراد الثالث - الذي سبقه إلى بيت المقدس - والملك بلدوين الثالث، وأمراء مملكة بيت المقدس، وعددا كبيرا من كبار رجال الدين والأمراء الصليبيين.
وقد أسفر هذا الاجتماع عن قرار بعيد كل البعد عن الغرض الذي خرجت من أجله الحملة الصليبية الثانية، فقد اتفق الجميع على مهاجمة معين الدين أُنر حاكم دمشق الفعلي، والحليف الوحيد للصليبيين بين أمراء المسلمين بالشام.
وسرعان ما زحف الصليبيون إلى دمشق في ربيع الأول 542 هـ(يونيو 1148م) فحاصروها، وتصدى لهم أهل دمشق وصبروا لهم، واشترك معهم الزهاد والفقهاء في القتال، وكان فيمن خرج للقتال الفقيه حجة الدين يوسف الفندلاوي المغربي، وكان شيخا كبيرا، فقيها عالما، فلما رآه معين الدين وهو راجل، قصده وسلم عليه، وقال له: يا شيخ، أنت معذور لكبر سنك، ونحن نقوم بالذب عن المسلمين، وسأله أن يعود، فلم يفعل، وقال له: قد بعت واشتُري مني.
وبدأت قوات معين الدين أنر تتزايد وتدفقت النجدات إلى دمشق من الأبواب الشمالية، وهو ما جعل الصليبيين يتحولون من الهجوم إلى الدفاع.
وازداد موقف الصليبيين سوءا بعد أن بدأ الشقاق يدب بينهم حول تبعية دمشق ومصيرها، وأحقية كل فريق منهم في ضمها إليه في حالة سقوطها والاستيلاء عليها.
فشل الحملة وانسحاب الصليبيين
وفي ذلك الوقت علم أُنر بخروج الأميرين الزنكيين سيف الدين غازي أتابك الموصل ونور الدين محمود أتابك حلب لنجدته، فأرسل إلى الصليبيين يهددهم وينذرهم بالخطر الذي سيحيق بهم إذا لم يتركوا دمشق، ويعرض عليهم - في الوقت نفسه - إعطاءهم حصن بانياس مقابل الجلاء عن دمشق. ورجع الصليبيون بعد أربعة أيام من حصار دمشق يجرون أذيال الهزيمة والفشل.
|