( ان الأمة التي تجهل تاريخها وتراثها، ورموزها، وتنفصل عن جذورها.. لن يكون لها حاضر زاهر، ولا مستقبل مزدهر..). (سلمان بن عبدالعزيز).
كلمات طالما عَبَرت أفق فكري، فكانت لي خير حافز مع بداية رحلتي التي عدت منها بكتاب (رغبة)، كم كانت تلك الرحلة ماتعة وهي التي سبرت فيها تاريخ تلك البلدة الحبيبة.لا تبرح مخيلتي تلك اللحظات الطيبة التي شرعت فيها بالإعداد لكتاب يؤرخ لماضيها ويحفظ تراثها.
حقاً ما أروع تلك الساعات بعدُ. التي كنت أنسلّ فيها من ساحات العمل والكد، فأجدّ السير إليها ملقياً بنفسي بين أحضانها.. أستنشق عبيرها.. وأمد يدي إليها مصافحاً.تلك هي بلدتي الغالية (رغبة) تلك الفاتنة التي تملكت كياني، عشت معها - ومازلت - أحلى الأيام وأغلاها وكأنني في حلم:
حلم جميل ما أردت فراقه
كالكحل يمزج بالصفا أهدابي |
ما أجملها من لحظات حين يصبح الحلم حقيقة بعد طول عناء. وكلما راودتني ذكراها انتابني شعور بلذة غامرة، تذكرت فيها لحظات البحث عن أسرارها، والتنقيب عن تراثها؛ فتارة قراءة لمرجع في التاريخ، وأخرى رحلة إلى الحبيبة، وطوراً كلمة تخرج من في معمر أتلقفها ،عسى أن تعرّفني أكثر بسيرة الآباء والأجداد، وتراثهم الطيب، وآخر قصيدة تصف آثارها ومآثر أهلها.نعم، كان حلماً روادني منذ نعومة أظافري، والحلم أضحى الآن واقعاً أعايشه وأحبه.لم يكن القصد من بالغ اهتمامي ب(رغبة) إلا إعلاء منارة من تراثنا، قد تندثر معالمها، فيحرم من الاستنارة بها أجيال هم أبناؤنا وأحفادنا.ولم أرد في ذلك سوى حث خطى الباحثين في التاريخ ليعمّموا هذه الظاهرة على جميع تراب وطننا الغالي، فيؤدون بذلك خدمة مثلى لتاريخ الوطن، بل لحاضره ومستقبله.
وقد أفدت كثيراً من رحلتي العلمية هذه، حيث ازددت لصوقاً بأبناء وطني، وألفْتُ مدناً وقرى لم أعهدها إلا في بطون مؤلفات الجغرافية، وشهدت عن كثب تلك النقلة المتحضرة التي رافقت الوطن حديثاً. لكن - لبالغ الأسف - قد عانيت في بحثي الدؤوب ندرة في مصادر تدلنا على تاريخنا، وترشدنا إلى معالم بلادنا، وهو أمر يستحق التوقف عنده ملياً، فكيف تشحذ همم الأبناء إن هم جهلوا تراث الآباء ومآثرهم، وكيف سيتعلق قلب الفتى اليافع بثرى أجداده إن لم يعرّف بمعالمه؟ ولو أن نقصاً في تقنيات البحث حاصل، لهان الخطب، والتمسنا للباحثين بعدها عذراً، أما وقد توافرت كافة وسائل البحث لدينا، وانهالت علينا تقنيات حديثة، فما الذي يجعل الجهل بتاريخنا وتراثنا أمراً مستساغاً؟!أيها الباحثون لا تمنعنّكم ندرة المصادر عن مسيرة الألف ميل، فخطوة خير من عدمها، ولا يحدوكم حبكم لبلدانكم إلى تطويع الحقائق بما يتناسب وميولكم، فهذا تاريخ، والأجيال القادمة تتلقّفه على أنه مسلمات، فهل يحب أحدكم أن يزوِّر على بنيه رواية لعظمة حضارة وعمران, أو علم وفكر، أو بطولة وحرب؟! هذا هو التاريخ وتلك هي الحقائق التي لا يرضى أحدكم تزويراً لها. ولقد صدق من قال:
ومن حوى التاريخ في صدره
أضاف أعماراً إلى عمره |
|