في حوالي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأربعاء المجلل بسواد الإجرام، كنت بمكتب الدكتور عبدالرحمن آل الشيخ وكيل أمانة مدينة الرياض؛ حيث سمعنا دوي انفجار، أحسست عقبه بانقباض شديد، وشعرت بأن خطباً جللاً قد وقع. وعقب خروجي من مكتب الدكتور أَدَرْتُ مؤشر مذياع السيارة؛ بحثاً عن خبر؛ حيث بثَّت إذاعة (بانوراما) نبأ العمل الإجرامي الشنيع، فأصبتُ ومَن معي بالصدمة لهول الأمر، وتساءلت: إذا تجاوز دوي الانفجار ذلك البعد المكاني فما حال الساكنين الآمنين حول منطقة الانفجار؟!
واستقرأت في تلك الأثناء ذلك العنوان العريض الذي تصدَّر إحدى صفحات صحيفة النيويورك تايمز -أوسع الصحف الأمريكية انتشاراً وشهرة- في الثمانينيات الميلادية؛ حيث لا زلت أذكره نصاً: (المملكة العربية السعودية الوجه الهادئ في عالم مضطرب).
فالمملكة كانت مضرب المثل في الأمن والأمان، وهي نعمة من أكبر النعم؛ حيث خرجت علينا هذه الفئة الإجرامية الضالة لتزعزع أمننا، وتروع مجتمعنا، وتقوض مقدراتنا.
** لقد كان شعبنا السعودي الوفي يرفل في نعمة من الأمن والسلام، لا يُضاهى على وجه البسيطة، ولكنْ عابثون استكثروا على هذا الشعب المسلم أن يعيش آمناً مطمئناً.
استكثروا على أهلهم؛ آبائهم وأبنائهم، أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم، أطفالهم وشيوخهم ونسائهم، أن يعيشوا بأمان ووئام.
فطفقوا يمارسون أبشع صور الإجرام، يستبيحون بأفعالهم حرمة الدين الحنيف والمسلمين الآمنين كما قال سماحة المفتي.
استكانوا للأفكار (المؤدلجة) بفكر الانحراف وبرؤية الإرهاب، وسلموا لبراثن التحريض والتكفير، خضعوا لمخططات غسل الدماغ من كل مقومات الفكر الإنساني السوي، وإفراغ القلب من كل رادع إنساني.
فاستجابوا لأفكار شيطانية دفعتهم للقيام بهذا الإجرام الشنيع الذي لا يجيزه بأي حال من الأحوال ديننا الإسلامي الحنيف، ولا تجيزه أي أديان سماوية، بل لا تقبله على الإطلاق القيم الإنسانية والأخلاق البشرية السوية.
لقد روَّعت هذه الشرذمة المجرمة الآمنين في بيوتهم، والعاملين في أعمالهم، وزرعوا القلق في نفوس المسلمين، وأشاعوا الأرق في عيون النساء والأطفال.
ألا يدرك هؤلاء الضالون أنهم يروِّعون أهلهم شيوخاً وأطفالاً ونساء؟! ألا يدرك هؤلاء أنهم يفعلون ذلك في بلدهم، قبلة المسلمين، يهزون أمنهم، ويهدرون مقدراته؟! ألا يعرفون أن ما يفعلون هو منتهى غاية أعداء الإسلام والمسلمين؟!
ولكنها رؤية الإجرام التي أغشت عيونهم؛ ليرتكبوا هذه الجريمة البشعة التي لا يقرها أي دين أو عرف أو قيم.
بالأمس القريب، زعم هؤلاء الأفاكون أنهم لا يضربون إلا الكفار النصارى، ولا يستهدفون المسلمين، ولكنهم انكشفوا اليوم بفعلتهم هذه؛ حيث وجَّهوا إجرامهم ضد المسلمين الأبرياء، بل ضد المجتمع الإسلامي بأكمله.
فما ذنب رجال المرور وإدارة المرور؟! إنها الغشاوة التي أصابت فكرهم قبل أعينهم، فأعمت بصائرهم عن الحق، وسقطوا في الضلال، وخضعوا لشرك المحرضين الأفاكين المرجفين.
** ولكن هذا الجرم المشين لن يزيدنا -بإذن الله- في هذا البلد الآمن بمشيئته تعالى إلا قوةً، ولن يحقق إلا مزيداً من التلاحم بين القيادة الرشيدة والشعب الوفي، ومزيداً من التماسك بين أبنائه.
إن كل مواطن هو رجل أمن، فهذا وطننا الغالي وطن أبنائنا الذي نعمل جميعنا ليكون لهم واحة أمن ورخاء بإذن الله تعالى.
فالتطور الحضاري في كل مكان وعلى مدى الأزمان ارتبط بدواعي الأمن والاستقرار، والتنمية بكافة ضروبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية ارتبطت طردياً بتوفر الأمن والاستقرار.
وظلت النظريات العلمية تؤكد تلك الحقائق في الكثير من حقول العلم والمعرفة؛ إذ لا نماء بلا أمان.
** إن التصدي الرسمي يستلزم تحركاً آنياً استراتيجياً مدروساً، يتجاوز الأبعاد الأمنية -مع التسليم بأهميتها القصوى وحاجتنا إلى آليات حديثة وجديدة تخرج بها من دائرة القوالب التقليدية العتيقة- إلى رؤى إبداعية سباقة تستشرف التوقعات المستقبلية وتسبقها وقائياً، وتدرس المضامين الحالية لتلمس الأبعاد المستقبلية بفكر وقائي.
ولا يسعني في الختام إلا أن أبتهل إلى المولى -عز وجل- أن يديم على هذه البلاد نعمة الأمن والأمان، وأن يقضي على الشرور والأشرار، وأن يحفظ لنا ولاة أمرنا، ويعينهم في سعيهم لحفظ الأمن، وأن يثيب رجال أمننا البواسل ويمدهم بعونه وتوفيقه، لتظل بلادنا -بإذن الله- الوجه الآمن في عالم مضطرب.
www.dr-abdslelahsaaty.com |