عندما تكون الأحداث بعيدة عنا، أولها مبررات تقبل الأخذ والرد فإننا نسمع وجهة النظر المقابلة، ونتفهم آراء الآخرين، وإن اختلفنا معهم.
أما إذا وصلت الأمور إلى تعريض أمن هذا الوطن للخطر وإشاعة الفوضى وقتل الأبرياء وهتك الحرمات وترويع الآمنين، فإن الموقف يختلف تماماً، وحينئذ يجب أن يأخذ أبعاداً قوية على المستوى الرسمي والشعبي في معالجة الوضع وحماية الوطن والمواطن والمقيم من تلك الأحداث الإجرامية.
وهناك علاج عاجل من الجهات الأمنية يتمثل في متابعة المجرمين ومعرفة خلاياهم والأيادي التي تقف وراءهم بالمال والسلاح داخلياً أو خارجيا، والتعامل معها بحزم وقوة.
وهناك علاج بعيد المدى يتعلق بأجهزة الدولة ومؤسساتها ومنها أجهزة الإعلام ومراكز التوجيه للتصدي للقضايا الفكرية المنحرفة في حوار صريح بين هذه الفئات وبين المؤهلين القادرين على الإقناع أو الإلزام.. لأن هذه التيارات إذا افترضنا عدم ارتباطها بمؤثرات خارجية تحتاج إلى تصحيح مسارها الفكري، وهذا يقتضي جهوداً متضافرة على المستويات كافة..
لأن وسائل الإقناع في كل حوار هي التي ينبغي أن تقدم على غيرها، فإذا لم تجدِ نفعاً وجب الانتقال إلى أسلوب آخر ولو ظهرت فيه عوامل الشدة للوصول إلى الحق الذي هو في مصلحة الجميع وقديماً قال الشاعر:
فَقَسَا ليزْدجرُوا وَمَنْ يكُ حازماً
فلْيقْس أحياناً على مَنْ يرحم
وعلينا أن نبتعد في حوارنا عن محاكمة الناس إلى نواياهم، لأن دائرة الخلاف حينئذ تتسع إذ لا يوجد ضابط شرعي أو منطقي يلتزم به المتحاورون.. وليس الهدف ظهور الغالب أو المغلوب في الحوار، ولكن الهدف الوصول إلى الحق الذي يجمع أبناء المجتمع الواحد في وحدة وتضامن وتآلف.. ينصرفون جميعاً إلى العمل والبناء ومتابعات خطط التنمية في ميادينها الواسعة..
إن هذه الظاهرة الغريبة التي طرأت على الجتمع السعودي من أخطر الظواهر..
ولهذا فإنه يجب مقاومتها وسد الثغرات التي تنفذها منها إلينا بهذه الروح العدوانية، وهنا حقائق لا بد أن تكون واضحة للجميع.
أولاً: أن الله تعالى أعز هذه البلاد باجتماعها على دين الحق وعقيدة الإيمان الصافية من شوائب الشرك والبدع والضلالات.. ولسنا على استعداد للتفريط في أي مبدأ من مبادئ ديننا القويم وسنقف صفاً واحداً مع قيادتنا في حماية عقيدتنا ووحدتنا الوطنية مهما تطاول المتطاولون أو خرب المخربون، فقضيتنا عادلة في ظلها نعيش وفي سبيلها نموت أعزةً كراماً.. لأن ثوابت ديننا وسلامة أوطاننا وصيانة مجتمعاتنا مسؤلية مشتركة بين القيادة والشعب..
وقد أعطينا عليها العهود والمواثيق إخلاصاً ونصرةً ودفاعاً.. ونحن نؤكد ذلك الآن بصدق وعزيمة.
ثانياً: إن خلط الأوراق وتلبيس الحقائق أصبح أمراً مكشوفاً مفضوحاً بين البرايا.. فنحن مع نصرة إخواننا في (فلسطين) و(العراق) و(أفغانستان) و(الشيشان) وأي بلد آخر يُضهد فيه المسلمون وتنتهك أعراضهم وحرماتهم وتحتل أوطانهم.. ولكننا لسنا مع الظلمة، والمخربين، والمفسدين، في الأرض، وإن كانوا محسوبين على الإسلام المسلمين.. لأن ديننا يأمرنا بالعدل والإنصاف والإحسان إلى الناس، وألا نحمل البريء وزر الظالم المعتدي (ولا تزر وزارة وزر أخرى).
ثالثاً: أن ما يجري من تخريب وأعمال إجرامية في بلاد الحرمين الشريفين - وإن كان مؤلماً - فإنه ليس الوحيد في العالم، فالإرهاب ليس له وطن ولا جنسية، إنه جريمة ضد الأبرياء وضد الحضارة الإنسانية برمتها حيثما وجد..
ولهذا فإن أساليب المعالجة ينبغي أن تكون عادلة فلا يصحح خطأ بخطأ ولا يقضى على جريمة بجريمة أكبر أكبر منها.. وإلا حصل الفساد في الأرض وفسدت أخلاق الناس وأذواقهم لاختلال الموازين العادلة بين البشر..
رابعاً: أقول لمن ذهب ضحية لهذه الأعمال الإجرامية من مواطنين ومقيمين ورجال أمن، أنزلكم الله منازل الشهداء وأعاضكم في حياتكم الجنة إنه سميع مجيب.
وأقدر لرجال الأمن جهودهم وشجاعتهم وثباتهم في كل ميدان لحماية هذا الوطن..
وأقول:
ومن رام إرْهاب البلاد وأهلها
فقد خانه الوهْم البغيضُ المجانفُ
وليس له من سعْيه غير نكْبةٍ
يطوف بها في وَهْدَة الذّل طائفُ
وليس لداعي الشّر أذْنٌ مجيبةٌ
فكلٌّ على بوّابة الأمن واقف
وفينا (رجال الأمن) من كل باسلٍ
يؤازرهم في ساحة الخطب (نائف)
أسأل الله تعالى أن يدفع عن هذه البلاد وأهلها كل سوء، وأن يرد كيد الكائدين، كما أسأله أن يبصرنا بالحق وأن يرد ضال المسلمين إليه رداً جميلاً.