أصبحت أيام الإرهاب معدودة. هذه نتيجة حتمية. كلنا نعرف هذا الشيء، ولكني كنت أتمنى ألا يطول الأمر أكثر مما يجب.. إلا أن الدرس الذي يجب أن نتعلمه لم ينته. نحتاج إلى سنوات لنستوعبه؛ فما جرى ليس معزولا؛ فهؤلاء ليسوا عصابة تدارسوا أمرهم في ليلة ليلاء، وخرجوا في اليوم التالي يشنون حربهم العبثية. إنهم تعبير عن أزمة فكرية تعيشها الأمة منذ هزيمة جهيمان (العسكرية) في الحرم في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ولكنها أزمة متصاعدة تشكل التفجيرات التي تحدث الآن ذروتها؛ فالمعركة إذاً مع الإرهاب لن تنتهي بانتهاء الجانب العنيف منها؛ فتوجه العنف والتطرف موجود ومتجذر في كثير من أوعية الثقافة. سؤال النصر الساحق لا يكمن في هزيمة العنف وحده ولكن يكمن في التوجه الفكري الذي سوف نتخذه بعد العنف: هل سنستمر في الحرب على الغلو بهدف استئصاله من حياة الناس ام اننا سنستسلم للدعة والسلام المؤقت الذي سيجلبه الانتصار على الإرهاب العسكري ونعدل الأمور بما يضمن تأجيل القضية إلى ما بعد عشر أو عشرين سنة قادمة كما فعلنا مع حادثة جهيمان؟ هل سنفعل كما فعلنا بعد تلك الحادثة حيث هزمنا جهيمان عسكريا ولكننا تكيفنا وقبلنا فكره وتبنيناه فخرجنا بما هو أشد وأقسى وهو ما عرف بالصحوة التي أنتجت لنا هذه الأحداث الدامية؟
إن السؤال يجب أن يكون واضحا لرجل الشارع العادي: هل سنخرج مرة أخرى بإسلام طقوس وشعائر وحرب وقتل مجاني وتعطيل وتدمير للمكاسب والانتهاء إلى حالة طالبانية؛ أي ذلك الإسلام الذي يدعو إليه أهل الصحوة ومنظروها، أم أننا قررنا السير مع الإسلام الصحيح رائد الحرية والعلم والتقدم والتسامح؟ هناك مؤشرات تؤيد الاتجاهين فدعاة الصحوة وهم معروفون بالاسم بدأوا يتخذون أشكالاً متعددة استعداداً للعودة إلى المعركة بثياب جديدة لاختطاف المجتمع مرة أخرى والسير به إلى هاوية جديدة.
بتتبع وقراءة اتجاهاتهم وتحولاتهم وتطور مواقفهم من أحداث التفجيرات التي تجري في المملكة، ستلاحظ أنهم جميعهم بمن فيهم بعض من دان بشدة الأعمال الإجرامية يؤمن بأن الحل الأنجع هو الحوار مع هذه الفئة القاتلة أو تفهم مطالبهم في محاولة مستترة لتأسيس صحوة جديدة مستفيدين من التهديدات المتولدة عن هذه التفجيرات على أساس أن هذه التفجيرات والأحداث القاتلة مصير أي مجتمع لا يستمع إلى دعوات ونصائح أهل الصحوة والسير خلفهم. وهو نفس السيناريو الذي جرى بعد أحداث جهيمان في الحرم المكي الشريف؛ فتأييدهم المجتمع والحكومة ضد الإرهاب لا يعني أن هؤلاء أصبحوا ضد الإرهاب الذي غذوه طوال سنوات، ولكن من الواضح، إذا استبعدنا الجبن، أن هؤلاء عرفوا أن هذه الجولة من الحرب لم تحقق أهدافها مما يستوجب التأسيس لجولة جديدة في المستقبل. فتوجهات أهل الصحوة المتذبذبة بين التخفي والممانعة والمراوغة يجب قراءتها بجدية وإلا عدنا مرة أخرى إلى طريق الكارثة الذي نعيشه الآن، والأهم العودة إلى التاريخ الحركي لهؤلاء وقراءة آثارهم الثقافية (فردا فردا) وخصوصا ما خلفوه في أشرطة الكاسيت وفي دواوينهم الشعرية وفتاواهم المتنوعة لتكوين ملف ثقافي لكل واحد من هؤلاء ليقرأه كل من يجيد القراءة؛ حتى نتعرف على جذور الإرهاب الحقيقية.
وإذا كان أهل الفكر الصحوي عازمين على العودة مرة أخرى إلى الساحة مستفيدين من تسامح المجتمع مع التجربة الجهيمانية فإن الجهات المسؤولة ومعها أهل التنوير والإصلاح من جهة أخرى عازمون هذه المرة - كما يبدو - على البقاء في الساحة ومحاربة أي فكر هدّام يقود المجتمع إلى الهاوية.
فاكس 4702164
|