* الرياض - محمد العيدروس:
أدان مجلس الدعوة والإرشاد حادث التفجير الإجرامي الذي وقع في مبنى الإدارة العامة للمرور بالرياض يوم الاربعاء الماضي، وأدى إلى وفاة وإصابة العشرات من المدنيين والعسكريين الأبرياء من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، إلى جانب إتلاف الممتلكات الخاصة والعامة للمواطنين والمقيمين، وكذا ما لحق بعدد من المساجد من أضرار جراء ذلك العمل الأثيم.
جاء ذلك خلال ترؤس معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ جلسة مجلس الدعوة والإرشاد في مقر الوزارة بالرياض يوم الاحد السادس من شهر ربيع الأول الجاري، بحضور أصحاب المعالي والفضيلة أعضاء المجلس.
وعبر المجلس عن بالغ ألمه للأحداث المريرة التي كدرت، بل آلمت كل مسلم، وكل داعية، وكل مرشد، وكل خطيب، وإمام، وكل عالم، وقاضٍ، وكل مخلص لدينه ووطنه وأمته.
واستنكر مجلس الدعوة والإرشاد - الذي يضم في عضويته ممثلين عن الإفتاء والقضاء، ورئاسة الحرمين الشريفين بما فيها من خطباء، ومعلمين، وعلماء، وأيضا وزارة الشؤون الإسلامية بما فيها من الخطباء، والدعاة، والعاملين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجامعات الإسلامية، والمنتسبين فيها، ومن يعمل فيها أيضا من علماء محققين في تخصصاتهم الشرعية، وأعضاء من مجلس الشورى - استنكر جميع الأعمال التي جرت، وخاصة التفجير الأخير الذي استهدف منشأة حكومية والعاملين فيها، حيث إنها تقوم بواجب شرعي كبير، وتقوم أيضا بواجب وطني عظيم، مؤكدا عزم المجلس على مواجهة هذا الخطر في كل الجهات التابعة له، لأن هذا من الواجبات العظيمة.
وأكد المجلس أن وجود هذه الفئات الضالة التي ورثت فكر الخوارج ومناهجهم قديما وحديثا، مما يحتم على كل من له صلة بأعمال الدعوة والإرشاد، أو الأعمال الإسلامية بعامة أو التعليم، أن يتصدى لها بقوة في منهج ثلاثي يجب أن يكون معنا دائما، وأن لا يترك الأمر لتفشي مثل هذه الأفكار، وهذا المنهج سبق وأن طرح عدة مرات كمنهج لهذه الوزارة، وأرشد إليه جميع العاملين فيها، وهو أولا: أن يكون هناك سعي في الوقاية والتحصين، والثاني: في العلاج لمن وقع في بعض حبال هذه الأفكار، والثالث: القوة والحسم معهم بأن يلقوا الجزاء الرادع الذي يكف شرهم.
وأبان المجلس أن منهج الوقاية مهم جدا في أن نوسع دائرة تحصين الشباب من هذه الأفكار التكفيرية والخارجية البغيضة التي تنمو شيئا فشيئا في غياب العلم الصحيح، وغياب النظر الشرعي المتفق مع النصوص، ومنهج سلف الأمة، وعقيدة أهل السنة والجماعة، وهذه الوقاية يجب أن توسع عن طريق واجب إمام المسجد في تبليغ خطورة هذه الأفكار وخطورة التكفير، وخطورة التساهل في دماء المسلمين، أو التساهل بما يضر بالمسلمين في أمنهم وفي أعمالهم وفي أعراضهم، فدم المسلم حرام، وماله حرام، وعرضه حرام، وقتل المؤمن هو أعظم ذنب بعد الشرك بالله جل جلاله، والله جل جلاله يقول: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)، ووصف الخوارج بأنهم كلاب أهل النار، وأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. واستطرد المجلس - في نفس السياق - قائلا: إن هذا بكل ما فيه يوجب على الجميع أن يؤدوا دور الوقاية، فإمام المسجد في مواعظه اليومية في المسجد، يحصن الكثير من الآباء الذين قد يغفلون عن مثل هذه الأفكار التي قد تتسلل إلى عقول أولادهم، فإذا أوضحها إمام المجسد صار هناك تحصين ووقاية عند الناس، واهتمام منهم بحفظ أولادهم وحمايتهم من كل ما يخل باستقامة عقولهم وتصوراتهم و علاقاتهم بمجتمعهم وولاة أمرهم وعلمائهم.
وقال معالي رئيس مجلس الدعوة والإرشاد - في الصدد ذاته - باسمه وأعضاء المجلس: إن من واجب الخطباء أن يبينوا دور الوقاية باستمرار، في الدروس والمحاضرات التي تقام في المساجد، أو تقام في الأندية الأدبية، والدور الرياضية، والجامعات، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، أو تقام في أي مكان، حيث يجب أن تشحذ الهمم فيها لعمل حصن وقائي عند الناس، ليعلموا خطورة مثل هذه الأفكار، ويتعرفوا على حقيقة ومقدمات هذه الأفكار، ونتائجها الوخيمة، لأن بعض الناس فقد ابنه وهو كان يردد مثل هذه الأفكار وهو لا يعلم أنه سيصل به الأمر إلى مثل هذه الأمور.
وشدد معاليه على أن وجود الوقاية والتحصين أمر واجب، مثل المدرس في مدرسته في التعليم العام، أو التعليم الجامعي من الأساتذة والعلماء والباحثين يجب أن يطرقوا هذه الأمور أكثر وأكثر، وأن يكون جزءا من منهج المحاضرات في الجامعات، لأن بعض الذين شاركوا في بعض الأعمال فقدوا من بعض الجامعات، بل من بعض الثانويات، وبعض المساجد، كانوا موجودين ثم ذهبوا، يوجد عندهم أفكار فيتساهل الجميع فيها، فهذه الوقاية مهمة جدا.
وقال معاليه: كذلك من عنده معلومات أيضا يمكن أن تسهم في منع هذه الأعمال أن تقع من مثل الأهل أو الأصدقاء أو الزملاء، فيجب أن يبلغ الجهات المعنية لضرورة ذلك، كما أفتى سماحة مفتي عام المملكة، وكما جاء في كلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس المجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني في العام الماضي، وكما جاء في تصريحات المسؤولين، وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وغيرهم، أنه يجب الإبلاغ عمن كان عنده أية معلومة عن هؤلاء، وعدم التستر عليهم، ولا ينبغي أن نظن أن هذه الابلاغات لا تفيد، فهذا جزء من الوقاية من وقوع هذه الأعمال، لأن السكوت معناه احتمالية أن يقع، وأن يتكرر مثل هذه الأعمال الإجرامية البغيضة، ومن لديه معلومات فلا تبرأ ذمته حتى يبلغ عنها الجهات الأمنية وإلا فهو شريك في الجرم والإثم.
وتحدث معاليه عن المنهج الثاني (العلاج) فقال: إنه قد يوجد هناك من عنده بعض هذه الأفكار، موجود إما في الكليات، أو في المدارس الثانوية، أو المساجد، أو في البيوت، أو نحو ذلك، هذا يجب أن يكون عندنا انفتاح على هؤلاء في مناقشتهم المباشرة، أو المناقشة في مواقع الحوار في (الإنترنت)، أو ما شابه ذلك، ومقارعة الكلام بالحجة الواضحة البينة الرصينة التي نمتلكها، مشيرا معاليه إلى أننا - ولله الحمد - لسنا على ضعف في الحجة، بل الحق واضح وبين، وهؤلاء ليس معهم إلا خيوط العنكبوت يتمسكون بها.
وأعاد معالي رئيس مجلس الدعوة والإرشاد التأكيد على أن في منهج العلاج لا بد من فتح قنوات الحوار مع من تتردد هذه الأفكار في صدورهم، وليس مع الواقعين في مثل هذه الأعمال، المختبئين في الجحور والأوكار الذين ينفذون العمليات الإجرامية، لكن من عنده بعض الأفكار الجهادية غير الشرعية، وبعض الأفكار المشينة ممن لم ينتموا إلى هذه الفئة لكن هذه الأفكار تتردد عندهم في مجالسهم أو في استراحاتهم أو في أنديتهم أو على الإنترنت، ولم ينتموا إلى هذه الفئة، فهؤلاء لا بد من الخوض معهم في نقاشات، وفي حوار وفي إقناعات، وأن نوصي الدعاة والأساتذة، والمدرسين، وأئمة المساجد من عرف عنهم شيئا من ذلك،
وكان الشخص قادراً على الحوار، فيمارس هذا الحوار بنفسه، وإذا كان غير قادر فإنه يبحث أو يخبر جهته إما وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، أو الجامعات، والهيئات، أو نحو ذلك بأن يناقش وأن يبحث معهم حتى يقنعوا فكثير من الناس بُحث معهم ورجعوا عن أفكارهم، لأنه كان عندهم شيء من الشبه حول ذلك.
وواصل معاليه الحديث في هذا الشأن قائلا: كما تعلمون قصة ابن عباس رضي الله عنه مع الخوارج لما ارسله علي بن طالب رضي الله عنه لهم فناقشهم فرجع الثلث كانوا اثني عشر ألفا، فرجع الثلث أربعة آلاف، وهذا لاشك نتيجة قوة الحجة والبيان، مشيراً معاليه الى ان القضايا التي يرددها هؤلاء هي قضايا محدودة ليست كثيرة لا يصعب حصرها ومناقشتها مما يؤكد أهمية أن يسلك هذا المسلك مع من وجد لديه مثل هذه الافكار وان يكون هناك من يتعرف على مثل هذه الاشياء. وأضاف معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ ان من المنهج العلاجي ان الحديث عن الامور التي تغذي هذا الفكر بدون معرفة من قائلها، يجب التقليل منها أو تركها لأن بعض الشباب يستقبلها بطريقة غير صحيحة. واستطرد معاليه - في الصدد نفسه - قائلا: إن هذا الشحن الذي في نفسه يستغل فينفذ بطريقة خاطئة وبعض الدعاة والخطباء والوعاظ والمحاضرين يلقى الكلام وهو يعرف حدوده الشرعية، وهو مصيب فيه من حيث المعلومات التي أوردها، لأنه يعرف الحدود الشرعية التي لا يجوز تجاوزها من حيث العمل ويقول كلاما حقا في الدين، لكنه لا ينتبه الى تبيان فهوم المتلقين واختلاف توجهاتهم، فيفهم بعضهم ما يسمع على غير ما يريده قائله، وربما وجد المتلقي في كلام المتحدث واثارته ما يدفعه الى ما لا تحمد عقباه، ففي الحديث الصحيح في البخاري: (ما أنت محدثا قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
وقال معاليه: إن هذا هو الواقع اليوم انه يحدث أناسا بحديث لا تبلغه العقول، ولا تدركه من جهة المصالح والمفاسد، من الجهة الشرعية فكان لبعضهم فتنة، هذا جزء من المنهج العلاجي في هذا الأمر.
وقال معاليه: ان رجال الامن في السنة الماضية، واجهوا هذا الخطر وواجهوه في الميدان بقوة، ومنهم من أكرمه الله جل جلاله بالشهادة ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ناقلا شكر أعضاء المجلس لجميع رجال الامن على القيام بأعمالهم العظيمة واشادتهم بهم وبتضحياتهم والشد على أيديهم بأنهم يقومون بالواجب، وأوصاهم بأن يصبروا ويصابروا في هذا الأمر وولادة الأمر بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، وسمو النائب الثاني وسمو وزير الداخلية، وأصحاب السمو أمراء المناطق، لاشك انهم في مقدمة الراعين للأمن، ونحن جميعا أيضا في المواجهة ونقف في خندق واحد وسفينة واحدة.
وفي هذا الشأن أكد معاليه ان هذه المسألة ليست مسألة جهة بل هي مسألة دين، وعقيدة، ووطن وأمة، واجتثاث هؤلاء الذين يريدون ان يجتثوا كل ما نعمنا به من خير، ودين وشريعة، وأمن وأمان فنحن جميعا في الواقع بما يمثله هذا المجلس، مع رجال الامن في صف واحد و يدً واحدة.
وعاد معاليه ليؤكد على ان الجميع يجرم هذا العمل، بل يعتبره اعظم ما أصيبت به هذه البلاد في الآونة الاخيرة، ان تستهدف جهات حكومية، ويستهدف المسلمون، ويستهدف أمن هذه البلاد، ونعتبر اننا جميعا مع الجهات الامنية في الصف الأول ولسنا في الصف الثاني، ولسنا مساندين لكن نحن مجاهدون بالكلمة، مجاهدون بالقول، مجاهدون بالتوعية، مجاهدون بالبيان الذي ائتمن الله - جلا وعلا - أهل العلم عليه قال تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} فجهادنا في الواقع مواجهة، هذا الأمر جهاد بيان، واقامة حجة وايضاح، والجهات الامنية جهادهم بالسلاح بالمواجهة، فنحن واياهم في الحقيقة صف واحد تحت توجيهات ولاة الأمور، وهذا هو الذي يجب علينا دينا، ويجب علينا شهامة، ويجب علينا حمية، فلسنا بالمترددين في المواجهة فيجب علينا ان ننهض بهذا الامن، ونرعاه ونحوطه ونحميه.
واضاف معاليه: ان المنهج التأديبي في حق من ركب رأسه وسعى في الأرض بالفساد وأراد ان يزعزع الامن ويفرق الصف ويشق عصا الطاعة، وأبى الاستجابة لنداء الحق والمناصحة فالموقف منه ان يعامل بالحزم والقوة، فالعضو الفاسد الذي لا ينفع فيه العلاج يبتر، الشرع والحمد لله حام للجميع فليس فيه غضاضة من أن الانسان يخضع لحكم الشرع فيؤدب بمقتضى الحكم الشرعي، والله جل جلاله يقول: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. وفي هذا السياق أكد المجلس أهمية ان تكون هناك وقاية قوية وواسعة من أجل التوعية ورفع اللبس، وبيان خطر تلك الافعال، وهذه الأفكار، وخاصة التكفيرية، والجهادية، والعلاج بمناقشة هذه الافكار في جميع الجهات التي تتبع هذا المجلس، والتأديب بحسب الحال.
وفي الختام سأل معاليه الله جل جلاله ان يعلي لهذه الامة، ولهذه الدولة مناراً وأن يخمد للاعداء والمتربصين ناراً، وان يجعلنا جميعا في أمن وأمان، وسلامة وإسلام انه سبحانه تعالى ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
|