لا يخفى على الجميع ما تقوم به تلك الفئة الطاغية الباغية من أعمال تخريبية، وترويع للآمنين في بلاد الحرمين، ودار خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن خطرهم عظيم، وانحرافهم عن السبيل ذميم، وجرائمهم من أبشع الجرائم وأفجرها، ولا تزال دوائر انحلالهم تتسع يوماً بعد يوم، وهذا مصداق خبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أسلافهم من الخوارج المارقة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) قال أهل العلم: يخرجون من الدين شيئا فشيئا!! وحقيقة حال القوم اليوم تحقق معنى هذا الحديث: فبدأ الأمر بهم بدعوى إخراج المشركين من جزيرة العرب!! ثم اتسعت دائرتهم بدعوى كفر الحكام والعلماء! ثم اتسعت دائرتهم فشملت قوات الأمن!ثم اتسعت دائرتهم فاستباحوا الدماء المعصومة فأشهروا عليهم السلاح! واستباحوا أموال المسلمين بالباطل من سرقة سيارات ونحوها! ولا يستبعد أن يستبيح أولئك سائر ما حرم الله على المسلمين من بعضهم البعض من النفس والمال وحتى العرض! وقد حصل للخوارج في القرون الأولى أن استباحوا أعراض نساء المسلمين بدعوى أنهن سبي من السبايا حكمهن الكفر لأنهن رضين بأزواج كفار!! وحصل مثل هذا صور مشابهة لها في هذا العصر في بعض الدول العربية من أشباههم في الفكر والديانة!! ولما قتل الخوارج الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأرادوا الخروج من بيته قالوا: الذي أحل لنا دمه يحل لنا ماله!! فأخذوا كل ما في البيت من مال!!فهذا هو دين الخوارج على وجه الاختصار، وهذا هو مبلغ خطر القوم لمن كان غافلاً عن حقيقته، والوقائع تصدق كل هذا حتى حادث تفجير يوم الأمس في شارع الوشم وما فيه من أنفس مسلمة بريئة من رجال ونساء وصبيان.
فلا نستغرب ما تقوم به قوات الأمن من وقفة صارمة شديدة ضد هؤلاء القوم، ولكن لا يزال العجب يدور بخلدي!! من تهاون الدعاة، وزهد المنابر، عن التحذير من هذا الفكر المنحرف، ومن هذه الفئة الباغية الطاغية!!.
سبحان الله العظيم..
مات مغن على خشبة المسرح: فتلاحمت أصوات المآذن في الكلام حول سوء الخاتمة وحسنها!!.
هدم مسجد للمسلمين في بلاد بعيدة فتعانقت أصوات الوعاظ في سماء مدينتنا شجباً واستنكاراً!!
ضل كاتب او ممثل بمقال او بمشهد فثارت ثوائر أهل الغيرة والإنكار فردوا عليه عبر الخطب والكتب والأشرطة والأشعار!!
منع الحجاب في فرنسا عن المسلمات في وظائفهن فتنوعت صنوف الإنكار حتى بالمكاتب لرئيس الدولة نصحاً له وبراءة للذمة؟!
وكل هذا جميل غير مستقبح، وهو دين وحق لاشك فيه: ولكن:
أين هم اليوم عن هذه الحالقة!!.
أين هم اليوم عن الكلام في أهم القضايا وأكثرها حساسية بمنظار شرعي متزن؟! نريد محاضرات أو ندوات أو كتباً أو أشرطة من هؤلاء الوعاظ أو الخطباء أو الكتاب عن (مخاطر التكفير) وعن (الحث على الجماعة) وعن (حرمة الخروج على الحكام) وعن (السمع والطاعة) وعن (الدماء المحرمة) وعن (الجهاد وضوابطه) وعن (ابن لادن وفكره!) وعن (الموقف من الأوضاع الراهنة) وعن (فضل العلماء وأهمية الرجوع إليهم) وموضوعات أخرى لا تقل أهمية عن هذه الموضوعات.. أنا لا أدعي خلو الساحة مطلقاً ممن تفطن لهذا الأمر، ولكن أشهد بالله أن عامة من كنا نرتقب (جديد إصدارته) و (حديث مقالاته) لا يزال في مقعد بين الصفين وكأنه يرتقب أي الكفتين تميل!!، وعلى من تدور الدائرة حتى يقول للمنتصر إنا معكم!! بل الأسوأ منهم حالاً من أخذ يبعد الشباب في قضايا ثانوية ليست من الأهمية بمكان إبان هذه القضية القائمة، وهذا والله وهو (الإغراق في الجزئيات!!) حقاً وهو والله (عدم فقه الأولويات!!) صدقاً.
سمعت عبارة من أحد الفضلاء في لقاء مذاع قال فيه بعد تفجيرات مركز المحيا السكني في شهر رمضان من العام المنصرم حيث يقول: (إن الكاتب والداعية والمعلم والموظف الذي لا يظهر الإنكار على هؤلاء نشك في أمره !!).
وما قاله والله هو عين الصواب.
وعليه فإن الامتحان بالموقف من المقالات الباطلة لابد منه، وإلا لضمت صفوفنا من لا تؤمن غوائله، ولا تحتسب لغدراته!!
وهذا يدعوني أن أوجه النداء إلى كافة وزراء الدولة في جميع المجالات أن تشكل على وجه الاستعجال البرامج الدعوية عن طريق: الخطب والمحاضرات والمنشورات والمطويات والفتاوى والأشرطة حول هذه الفئة الباغية، وهذا الفكر المنحرف.
وأخص من يوجه له النداء من عموم الوزارات: وزارة (التربية والتعليم)، ووزارة (الشؤون الإسلامية) ووزارة (الثقافة والإعلام) حيث المطلوب منهم الجد المتواصل والعمل الجاد وتكثيف سائر الوسائل التي تنكشف بها حقيقة القوم، ويزيد في ربطهم بحكام هذه البلاد وعلمائها، وصواب ما يقومون به تجاه هذا العدوان الغاشم وتوعية الشباب وتحصينهم من خطر هذا الفكر وإبعادهم عن الأسباب المؤدية إليه.
إن من لديه أدنى (فقه بالواقع) اليوم لا يحتاج إلى إثبات أن قضية أولئك الشباب المنحرفين هي القضية التي تعتلي هرم القضايا في هذه البلاد حتى اصبح الصغار قبل الكبار تتجاذبهم الأفكار يمنة ويسرة، من هؤلاء؟ وماذا يريدون؟ وهل هذا حقاً جهاد؟ ولماذا لم نسمع الدعاة يتكلمون فيهم؟ وفي موقفنا منهم؟
بل من الناس من أخذت ذبذبات الخوف تتدفق إلى قلبه من هؤلاء وتصرفاتهم، لأنه عرف أنهم يسعون إلى هدم كيان بأكمله، وتفريق أمة بدولتها، والإطراح لا الإصلاح، والتهديم لا الترميم! ولنا في الأمم التي تتخطف من حولنا أسوة وعبرة.
ومن أضرار هذا التخاذل العجيب من البعض في البيان: أنني صادقت جماعات من الناس من يجهل حقيقة خطرهم، وربما يستغرب قتال رجال الأمن لهم وهم يظهرون بعلامات الصلاح! وحب الجهاد! وطلب الجنة!!.
وكنت كلما تكلمت في محاضرة أو درس أو محفل من المحافل، وأوضح فيه خطر فكر الخوارج وأن هؤلاء القوم قد شابهوهم في كل شيء، وأن طريقتهم منحرفة، وأن أهل العلم والرسوخ قد حذروا منهم، وأن هؤلاء قد استباحوا المحرمات، من الدماء والأموال،والأعراض، ونصبوا العداء لعلماء الدين، بل وكفروهم، ووصفوهم بالعمالة والنفاق!!، وأربط هذا كله بما صنع زعيم الخوارج الأول ذو الخويصرة وتشكيكه في أمانة أمين الوحي محمد صلى الله عليه وسلم وسوء أدبه معه، وقتال أتباعه لافضل خلق الله بعد الأنبياء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وقتلهم لعثمان بن عفان وما حصل يوم الدار لا أعاد الله مصيبته على المسلمين، وما حصل منهم من تشكيك في أمانته وعدالته وسياسته، وما حصل لهم مع علي بن أبي طالب يوم النهروان، وما جنته أيديهم من تكفيره واغتياله رضي الله عنه، وما حصل منهم من استباحة دماء المسلمين وتظاهرهم بسلامة الدين، وتواصيهم بالرواح إلى الجنة!! حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم) وجاء في وصفهم أن جباههم كركب المعزى من التعبد، ومع هذا كله قال عنهم صلى الله عليه وسلم: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد) وقال: (كلاب النار، كلاب النار، كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء)، أقول: فما إن أبين هذا كله للناس إلا ويظهر في وجوههم الأنشراح وتتجلى في أعينهم الصورة، وتنكشف عنهم الغمة، ويعلمون مبلغ خطر القوم، حتى ان بعض من حضر تلك المجالس، قام ذات مرة وأظهر مبلغ الشبهة التي كانت لديه وأنه كان يعيش معتركاً نفسياً حول هؤلاء القوم وما يتظاهرون به من نصرة الدين، ثم حمد الله على بيان الحقيقة الغائبة عنه.
فأمثال هذا كثير، وهم أمانة في أعناق الكثير من (الدعاة) و (المعلمين) و (الكتاب) في شتى المجالات،فالله الله في حماية السفينة من الغرق، ودفع كل عدو داخلي أو خارجي عن المساس بها.
وقبل أن أختم لابد أن اشيد بجهود هيئة كبار العلماء في التحذير من هذا الفكر وأهله من قديم في سائر الأوقات، فلم يكونوا في يوم من الأيام (على بروج عاجية) ولا ( خلف أبواب مقفلة!!) بل والله إنهم ليحمون الشباب من هذه الأفكار الدخيلة قبل أن ينتصب لهذه الفتنة الغبار، وهكذا شأن العلماء كما روي في بعض الآثار أنهم يعرفون الفتن إذا أقبلت!، وكذا أشيد بدور (وزارة الثقافة والإعلام) وما تبثه من برامج توعوية مقابل هذه الاعتداءات، ومع ذلك فطلب المزيد من الجميع وارد، وتضافر الجهود مطلوبة، ومن لم يكن معنا في الحرب ضد هذا الفكر فهو ضدنا، فليحدد كل منا موقعه!!
والله يوفق الجميع إلى مافيه الخير والصلاح. والله الموفق.
|