في رمضان الماضي -ونحن نلم شظايا فجيعتنا ورضتنا الموجعة بعد تفجيرات المحيا -وصلتني رسالة عبر الهاتف الجوال تقول (أعلن تضامنك مع الوطن وارفع علم المملكة على بوابة منزلك) سحرتني هذه الفكرة أحسستها ومضة نبيلة صادقة من أولئك الذين يجلسون في الصفوف الخلفية للمواجهة، لم ينصرفوا إلى تقليب الأكف بين الحيرة والقلق العاجز ولم يذهبوا إلى تسقط الإشاعات وترويجها، بل انطلقوا إلى قلب الوعثاء والوجع، يعملون في أرض المتاح والممكن جبهة متماسكة صادقة أبية على كل اختراق.
الجبهة الداخلية هي الزاد والمعاد وهي المنطلق والمآب، هي قلعتنا الصامدة أمام قوارض الظلمة، أمام ثقافة الموت، أمام الذين يخبئون في عباءاتهم ألف شيطان ومارد.
الجبهة الداخلية هي الوعي بالمنجز الحضاري، والملتفة حول شجر الوطن الآمن الوارف، المحمل بعناقيد وبشارات الغد، هي وحدها التي تصر على الدروب الآمنة الممهدة لأجيال الغد.
هناك عيوب، وهناك ثغرات، وأكثر من موطن للفساد (لم تخلق الجنة الأرضية بعد!) الحلول لها دروبها، لها مساراتها المتاحة، نطرق بعضها، ونأمل ونحاول البعض الآخر، ولكنها لم ولن تكون عبر لغة الدمار والموت والأشلاء، لم ولن تكون عبر الذين اختاروا التقاطع مع السنة الإلهية في إعمار الكون .
{أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} سورة قريش (4) قلوبنا تلتف حول الوطن حول أمن نخلة وحيدة تقع في أقصى حدوده.
الأسبوع الماضي شاهدت في إحدى الصحف إعلاناً على مدى صفحة كاملة لشهداء العزة والكرامة من رجال الأمن بتوقيع (مواطن سعودي) شعرتها كضمة ريحان للأرواح الزكية التي افتدتنا بصدورها.
تختلف الشموع التي نوقدها في دروب الوطن، نوعيتها وأشكالها ورائحتها لكنها جميعاً يجب أن تترصد بالدروب الدامسة المظلمة، بقطيع الضباع المسعورة المترصدة للحومنا وأبداننا.
الجبهة الداخلية ليست مجموعة متفرجين مشدوهين بذعر واستسلام وبلادة...
للجبهة الداخلية أدوار لا متناهية وواجبات لا تنقضي.
|