* الرياض - الجزيرة:
استنكر أئمة وخطباء الجوامع في مدينة الرياض حادث التفجير الإجرامي الذي استهدف مبنى الإدارة العامة للمرور بالرياض، وراح ضحيته العديد من الأبرياء من مدنيين وعسكريين، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، ما بين قتيل وجريح، وأبدوا في خطبهم يوم أمس الأول الجمعة استهجانهم الكبير لهذا العمل الذي يقع في بلاد الحرمين الشريفين التي تحكِّم كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جميع أعمالها وكافة شؤونها، داعين إلى اتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة تلك الأعامل الإجرامية، ومشددين -في نفس الوقت- على أهمية دور كافة فئات المجتمع في التصدي لمرتكبيها، والتصدي لهم بكل الوسائل حتى تقتطع جذورهم، وتخلص البلاد والعباد من شرورهم.
ففي البداية أكد فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك إمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود بحي البديعة أن استهداف الأمن ورجاله والأبرياء إنما يدل على حالة من اليأس وصل لها أصحاب هذا الفكر، واقتراب موعد النهاية لفكرهم، وإيذان بصبح جديد للأمن ورجاله والإسلام والمسلمين.
وأوضح الشيخ الدكتور سعد البريك أن مكمن الانحراف لدى هؤلاء إنما جاء من قلة فقههم من خلال النظر الجزئي لنصوص الشريعة بعيداً عن مقاصدها الكلية، أو الاستدلال الناقص لبعض الأدلة الأصولية دون مراعاة التوابع والعوارض المؤثرة على تنزيل الحكم على الوقائع، مؤكداً أن هذا النظر القاصر أثمر شططاً عن الوصول للحكم الصحيح، وبعداً عن الظفر بالحق المطلوب.
وأبان الشيخ البريك أن المتأمل لحال هؤلاء الذين جعلوا السيف منهجهم في التغيير، وألزموا الأمة بهذا الاتجاه، يوقن أن حالهم لا يختلف عن حال كثير من أهل البدع الذين خالفوا أهل السنة في كثير من أبواب الاعتقاد، بناءً على قصورهم الفقهي والاجتهادي في جمع أطراف المسألة وإحكام جوانبها الأخرى.
وقال الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك: إن مما يؤسف له أن كثيرين يدركون فساد هذا الفكر وخطورته، ولكن خوف النقد منعهم من التحذير وبيان الخطر، موضحاً أن الدين ديننا، والبلاد بلادنا، والأمن أمننا، والسفينة سفينتنا، نحن الناجون أو الهالكون، ونحن المهتدون أو الضالون، ونحن الرابحون أو الخاسرون، المستقبل لأطفالنا وأجيالنا، فهل نأكل الدمار ونورث المجاعة، أم نلتحف العواطف ونورث لهم السراب؟!
أما خطيب جامع الأمير عبدالله بن محمد بعتيقة فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الحمدان، فقد استهل خطبته قائلاً: إن الأمن في الأوطان مطلب الكثير من الناس، بل هو مطلب العالم بأسره، فحياة بلا أمن لا تساوي شيئاً. متسائلاً: كيف يعيش المرء في حالة لا يأمن فيها على نفسه حتى من أقرب الناس إليه؟! خوف وذعر وهلع وترقب وانتظار للغد، لا يفكر الإنسان في شيء إلا في حاله اليوم، ليس عنده تفكير في المستقبل، وما كان ذلك إلا بسبب فقدان الأمن.
ووصف فضيلته التفجير الذي ارتُكب في مبنى الإدارة العامة للمرور بالرياض يوم الأربعاء الماضي بأنه عمل لا يرضي الله، ولا يرضي رسوله، ولا يرضي أمة الإسلام، مؤكداً أنه لا يقوم بمثل هذا العمل إلا إنسان قد تجرد من إنسانيته، وتجرد من إيمانه وعقله وفطرته التي فُطر عليها، وهو نبأ مؤلم أفزع القلوب، وخبر سيئ انغلقت له النفوس، وتكدر منه العيش، أمر مشين تجلت فيه أقبح صور الظلم والعدوان والمنع.
وشدَّد فضيلته قائلاً: فالواجب علينا، مواطنين ومقيمين، أن نتعاون مع رجال الأمن، فإن من أوجب الواجبات وألزم اللوازم أن يتعاون الفرد والمجموع على صيانة الأمن الشامل للجميع، وأن يحرص كل فرد على التزام الحدود والتبعات التي يستوجبها توطيد هذا الأمن؛ ليتحقق الأمان العام، فالفرد دائماً في خدمة المجموع، والمجموع من واجبه أن يحمي الأفراد، والله جل وعلا يقول في محكم التنزيل: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وفي نفس السياق تساءل فضيلة إمام وخطيب جامع الهريش بحي الملز بالرياض عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور فالح بن محمد الصغير في بداية خطبته: بم تفسر تلك الاعتداءات والجرائم الفردية لرجال الأمن والجماعية لمبنى الإدارة العامة للمرور في وضح النهار؟ هل هذا هو الجهاد؟! يُقتل المسلمون في عقر دارهم، وتُخرب ديارهم، ويُقضى على ممتلكاتهم، هل هذا سبيل دعوة وإصلاح؟!
وقال: مما يزيد المرارة مرارة، والألم ألماً أن يأتي هذا الإفساد في وقت أشد ما تكون الأمة المسلمة فيه إلى التماسك والتعاون والتآلف والتآزر، في وقت عصيب تشتد فيه الوطأة على ديار المسلمين، ويزداد فيه الإرهاب عليهم، وواقع فلسطين والعراق وما يلاقونه من إرهاب متزايد دليل ساطع على ما تمر به الأمة من أزمات وفتن، وهؤلاء المفسدون يزيدون الجرح عمقاً، فيعينوا أعداء المسلمين بالإفساد في حصن الإسلام، وفي عمق أرضه، ألا يكفي أن يواجه المسلمون تهم أعدائهم بأنهم إرهابيون؟! فما بال هؤلاء يريدون أن يفتحوا الأبواب مشرعة ليتمكن الأعداء وتزداد سطوتهم؟!
وشدَّد الدكتور فالح الصغير على أن الجرم خطير يتطلب الحذر والحزم والحلم والعلم؛ لتكشف الحقائق، وتوضع الأمور في أنصبتها، فتتضح مسؤولية كل فرد ومؤسسة أيًّا كان موقعه، فكلٌّ على ثغر يلزمه الحفاظ عليه. وقال: ومع إيماننا بعمق الجرم وأثره إلا أن سنة الله الكونية والشرعية علَّمتنا أن الأحداث المؤلمة يجب أن تزيد من الثبات على المبدأ، والمواصلة في السير نحو البناء والتنمية، وتعميق التكاتف والتآزر والتعاون، والتمسك بالثوابت، والسعي نحو الخير، كما تمنع من الشك في المبادئ، أو ضعف الإيمان في النفوس، وفتح المجال للمتربصين والمنافقين لزعزعة ثقتنا في ديننا ومناهجنا وأمتنا وثوابتنا.
وعاد فضيلته ليقول: إن هذه الأحداث تؤكد علينا الإصرار على مسيرتنا التنموية والعلمية والتربوية والدعوية بثقة وطمأنينة وثبات وعلم وبصيرة، مؤكداً أن هذه الأحداث تستوجب أن يعي كل منا مسؤوليته، عالماً، أو داعياً، أو مربِّياً، وتاجراً، أو موظفاً، أو عاملاً، ذكراً كان أو أنثى.
وقال: إن هذه الجرائم تذكِّر الجميع بأن عليهم واجباً عظيماً تجاه دينهم وبلدهم ومجتمعهم، فمن أوجب الواجبات أن تزيد هذه الحوادث من ترابط المجتمع مع قيادته وولاة أمره وعلمائه، وأن يكونوا يداً واحدة ضد كل يد تريد الإخلال بهذا الأمن، والعبث بالمقدرات والمكاسب، والتلاعب بالأرواح والأعراض، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}.
ومن ناحيته، أوصى إمام وخطيب جامع الملك عبدالعزيز الشيخ أحمد بن محمد المنيعي المسلمين بتقوى الله، والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، لأن التمسك بهما يحقق السلامة والفوز يوم الزلفى.
وقال في خطبة الجمعة: إنه لا نجاة لنا اليوم مما يحيط بنا إلا بالتوبة والإنابة، ثم الرجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه، والالتفاف حولهم والذب عنهم وتوقيرهم وإجلالهم، وأن ندرك أن الطعن فيهم طعن في الدين؛ لأنهم حملته والناقلون له والموضِّحون له.
وأضاف الشيخ المنيعي أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة، وإن أهل الزيغ من العلمانيين والمنافقين إذا تُركوا يُظهرون الشر وقع الفساد في الدين، فحل العذاب والانتقام من رب العالمين، وما السخرية من الصالحين القائمين بدين الله إلا نفثات المحمومين من أهل الزيغ الضالين، يخفون ما لا يظهرون، فتجدهم في المواقف العصيبة التي تحل بالأمة يسخرون من حملة الخير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويناقشون مسلمات شرعية في ظروف تحيط بالبلاد خطيرة، كل ذلك تحت ستار العدالة والمنطقية والحرية والإنسانية، كلمات خبيثة وألسنة ملتوية، قوم لا يعقلون ضرب الله عليهم الذلة، لكنهم كالعقرب تدفن نفسها ثم تخرج إذا أمنت.
واستطرد فضيلته في السياق نفسه قائلاً: يهجمون بأقلامهم على أهل الخير وأعمالهم الخيرية دون تفريق بين الصدق والمتستر، كل ذلك في وقت تحتاج الأمة فيه إلى مزيد من التلاحم والتعاون بين الولاة ورعيتهم، مبيناً أن هذه التصرفات من العلمانيين هي نوع من الإرهاب والاضطهاد الفكري، يريدون إفساد الدين باسم الحرية الشخصية والمدنية الحديثة وحقوق الإنسانية، وهم في الحقيقة من أسباب ظهور الفساد والشر، ومن دوافع تنمية الغلو والتطرف.
وشدَّد إمام وخطيب جامع الملك عبدالعزيز بحي العليا على أنه يجب شرعاً على هؤلاء الصنف ردعهم وتأديبهم عن غيهم وتماديهم، حمايةً للمجتمع من شرهم، وقال: إن هؤلاء صنف من المتطرفين الذين يرهبون الناس بأفكارهم الضالة، ويقابلهم صنف آخر من المتطرفين أيضاً يتصرفون باسم الغيرة على الدين وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وباسم الجهاد في سبيل الله ونيل الشهادة وبلوغ الجنة، فيقتلون الآمنين ويفزعونهم، ويستحلون الحرمات باسم الجهاد حتى بلغ فيهم الضلال أن يخونوا ويغدروا بمَن يريدون قتله، فقتلوا رجال الأمن الذين يحرسون بلاد التوحيد.
فيظهر أولئك الأشخاص أمام الشباب بأنهم من العلماء وطلاب العلم الملهمين، ويصفونهم بأوصاف تجعل لهم في نفوس الشباب المنزلة العالية.
وأوضح فضيلته أن الحَجْر الفكري هو يصيب كل مَن انحرف عن الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح رضي الله عنهم، ويتم هذا الحَجْر عن طريق عزل الشباب عن العلماء الكبار والمصادر السليمة بشعارات وآمال تبدو شرعية أو خيرية أو جهادية.
وجرَّم فضيلته حوادث الغدر برجال الأمن وحوادث التفجيرات والسعي في الأرض بالفساد، ووصفها بأنها سلوك شاذ، وتصرف أهوج، وغدر وخيانة وعدوان وترويع للآمنين، ودليل على فكر شديد الانحراف عميق الضلال، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وقال سبحانه: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}، وقال جل جلاله: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}.
وفي ذات السياق، قال فضيلة خطيب جامع الراجحي في شرق الرياض الشيخ الدكتور حمزة بن سليمان الطيار في خطبة الجمعة: إن بعض الناس للأسف لا يؤمن إيمان اختيار ورضا بأن هذه الأفعال من الفساد، حتى يرى بأم عينيه ذلك، فيقع لا قدَّر الله عليه الفساد، ويشمله التخريب، عندئذ يؤمن بذلك إيمان المضطر المكره، الذي لا حيلة له، فإذا ما كربه الكرب، وأخذه الفزع علم وأيقن، وصدق الله إذ يقول: {لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}.
وأكد فضيلته أن أهل هذه البلاد كلهم مبتلون بهذه التفجيرات، خاسرون من وقوعها، وإن اختلفت مواقفهم منها، وتباينت نظراتهم إليها، وعليه لا بد أن يتحد الجميع لمحاربة هذه الآفة السيئة، التي أصابت بعض المفسدين والمخربين، فدفعت بهم إلى قتل الأنفس المعصومة، وسفك الدماء البريئة.
وأضاف الشيخ الطيار: إن ما يحصل لبلادنا من تفجير بين الفينة والأخرى لشيء مؤسف ومفزع ومخيف، فها نحن ننظر القتل والدمار يتجه إلى المسلمين وأبنائهم، ويمد يده إليهم، ويبسط جناحه المشؤوم عليهم، مشيراً إلى أن الذي يتأمل هذا الحدث الأخير، والتفجير الخطير، لَيعلمُ علماً يقيناً ويؤمن إيماناً جازماً أن الفساد متأصل في تلك النفوس، والتخريب قد عشش في تلك القلوب.
وشدَّد فضيلته على أن هذا التفجير - والله- شر تأذَّت به النفوس الطاهرة، وضاقت به الصدور الكريمة، متسائلاً: كيف لمَن في قلبه ذرة من إيمان أن يقبل هذا العدوان الصارخ على المجتمع وأفراده؟! وكيف هذا التحدي المجنون لحرمة الدماء والأنفس؟! مجيباً فضيلته بقوله: إنها والله جريمة شنعاء، ذهبت بحياة أناس أبرياء، يديرون مصالح المسلمين، لم يبسطوا ألسنتهم وأيديهم بعدوان إلى أحد، مشيراً إلى أن خطره وأثره كان داهماً ومزلزلاً في مجتمعنا الإسلامي، ذلك المجتمع الذي لا يعرف هذه الأفعال، ولم يَعْتَدْ على تلك الأحوال.
|