كل الناس تصرخ إزاء الغطرسة اليهودية في فلسطين!
والاستخفاف بمليار مسلم، بكل مقدراتهم، ومؤسساتهم، وإمكانياتهم!
لا يفصل بين استشهاد الرنتيسي - رحمه الله - واستشهاد أحمد ياسين - رحمه الله - سوى بضعة أيام!
وكلا العمليتين تمت في وضح النهار، باغتيال سياسي سافر متبجح لا يستحي، ولا يتستر.
لقد افتخرت الإدارة الإسرائيلية بهذا النجاح.
وعقبت الإدارة الأمريكية بما يشبه التهنئة.
ظن بعض المحللين مع سقوط الاتحاد السوفيتي أن يضعف التحالف الأمريكي اليهودي!
لكن جاءت فرصة ما سُمي ب(الإرهاب الإسلامي) المزعوم، لتعيد للتحالف وهجه ورسوخه، وتؤكد أنه إستراتيجية دائمة، وليس تكتيكاً مؤقتاً.
وأمام هذا العدوان السافر.. والوجه الآخر له، المتمثل بممارسة قوات التحالف في العراق، واستخفافها بحياة الناس، وجرأتها على القصف الأعمى لكل شيء تشتبه فيه، وهي تعمل في ميدان تجهله، وكل شيء فيه محل اشتباه.. مما ضاعف خسائر الناس، وأوقع آلاف الإصابات في النساء والأطفال والإعلاميين، فضلاً عن غيرهم.
وأمام هذا وذاك لا نلوم شباب الأمة ورجالها ونساءها حين يصرخون.. ويبحثون عن الحل.
قطعاً.. لا أحد يرضيه الموقف.. ولا أحد يقبل باستمراره.
والعقلاء أصبحوا في متاهة محرجة!
لا يدرون كيف الخلاص منها، وإنما يستخدمون العقاقير، والمسكنات لتهدئة الناس، أو مداواة أحزانهم وإحباطاتهم.
وأخشى أن نقبض ثمن هذه الإحباطات الحالية انتكاسات داخلية في العالم الإسلامي كله بعد فترة ليست بالطويلة.
هناك من يتفاقم معه الأمر، ولا يسمح له الواقع المر الذي هو فوق الاحتمال العادي.. بأن يفكر بطريقة عقلانية وهادئة.. ولذا صارت فكرة الكثيرين أن خلط الأوراق مفيد مهما كان الأمر..
وكأن شريحة من شباب الأمة تقول: لا وضع أسوأ مما نحن فيه.. فليكن ما يكون.
إن الآثار السلبية للممارسات الغادرة الأمريكية اليهودية لا تقتصر على موقع الحدث فحسب، بل تتعدى إلى شخصيات وعقول الآلاف من الشباب المسلم في كل أرجاء العالم الإسلامي الذين يرون ما يحدث اعتداءً عليهم وإهانةً لدينهم واستخفافاً بوجودهم.
وقد لا تسعفهم رؤاهم الذاتية بصناعة خطة متكاملة للخروج المستقبلي من هذا المأزق.
فالاغتيال الذي يقع ليس اغتيالاً لأشخاص ورموز فحسب، بل هو اغتيال للسكينة والسلام والاستقرار النفسي للشباب المسلم في كل مكان.
وكأني هنا استرشد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين).
نعم، كانوا يحسدون المسلمين على التحية، والتحية ليست مجرد لفظ، بل نظام حياة وبرنامج لبناء العلاقات بين فئات المجتمع المسلم كافة، وهذا معلوم تماماً.
إنهم يسعون في الأرض فساداً، وسعيهم بالفساد في دنيا الإسلام متمثل في صناعة القلق والتوتر، ومحاربة الاستقرار في المجتمع المسلم، طمعاً في تحوله إلى ميدان مفتوح لعراك داخلي، على الصعيد الفلسطيني، والعربي، والإسلامي.
ومن الواجب أن نفكر جيداً كيف نفوّت هذه المؤامرات الدنيئة من خلال صناعة الاستقرار والهدوء والطمأنينة لدى المسلم أياً كان، وتمكينه من أداء دوره المنتظر بطريقة صحيحة تحقق له إنجاز المسؤولية الربانية من جهة، وتزيل الاحتقان النفسي الناتج عن القهر والحرمان من جهة أخرى.
إن وسائل الإعلام هي إحدى القنوات المهمة التي يجب أن تكون (حقاً) لكل مواطن، وبالتالي أن تكون أبلغ تعبير عن مشاعره وقناعاته وتطلعاته، وأن تواكب همومه وآلامه، وتنأى بنفسها عن مصانعة العدو الماكر، أو تنفيذ بعض برامجه لتخدير الشباب، وصرفهم عن الهم الجاد، إلى تأجيج الشهوة ومخاطبة الغريزة، وتهييج الجسد.
زد على هذا ان العالم الإسلامي يفتقر إلى برنامج للمستقبل على صعيد الدولة الواحدة، وعلى صعيد المجموع، بينما نحن في عصر التكتلات والقوى الضخمة.
هل نكون مخطئين إذا قلنا بأن الأمة تواجه انسداداً حقيقياً وعجزاً عن الفعل، على الصعيد السياسي، فضلاً عن الاقتصادي أو التقني أو العسكري.. وان المشكلة في أصلها ليست في العدو الخارجي بقدر ما هي في الافتقار إلى آلية جادة للبناء والمواجهة، مواجهة المستقبل بكل تحدياته، وليس فقط: مواجهة العدو المتغطرس.
إن الاتكاء على المبشرات مفيد بحد ذاته، فهي نافذة إلى الأمل والتطلع لمستقبل مشرق، ومن هنا يمكن توظيف النصوص الشرعية الواعدة لطمأنة الشباب المسلم وتهدئة مخاوفه.
ولكنها يجب أن تتحول إلى (برنامج عمل مفصل) للأفراد والجماعات والدول، بل للأمة كلها فهذا المستقبل الموعود ليس منحة رخيصة للكسالى والقاعدين، ولكنه فضل من الله ونعمة لأولئك الذين صبروا وصابروا ورابطوا، والله مع المتقين.
|