الأخ الأستاذ - عبدالله بن سالم الحميد، وفقه الله
عضو النادي الأدبي بالرياض
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة.. وبعد
فقد اطلعت على قراءتكم لكتابنا (الملك سعود في وجدان الشعراء) الذي صدر عام 1423هـ، وسرني ما جاء فيه من اهتمامكم بهذا الموضوع وتقديركم للجهد المبذول فيه، وسعادتكم بما حواه من قصائد الوفاء والتقدير لشخصية الملك العظيم سعود - يرحمه الله - وجاء في قراءتكم تلك أمور شدت انتباهي، وسعيت جاهداً للاستفادة مما كتبتموه فيها من أفكار وآراء ومقترحات، سيكون لها ولمثيلاتها مما يزودني به الأخوة والأخوات من القراء والأدباء والنقاد والباحثين بالغ الأثر في رفع جودة هذا الكتاب وإثرائه - بإذن الله .
وفي البداية أتفق معكم في تساؤلكم عن سبب تأخر مشروع الوفاء لشخصية الملك سعود العظيمة سنوات عدة، ولكن لعلك تتفق معي في أن المهم هو أن ثمار مشروع الوفاء قد بدأت ترى النور، وسوف تتتابع - بإذن الله تعالى. ولعلكم تعلمون أني أعمل جاهداً على تأليف كتاب علمي ضخم يتناول سيرة حياة الملك سعود - يرحمه الله - ورصد أحداثها وتوثيقها بشكل علمي موضوعي، إلى جانب مؤلفات أخرى تسهم في هذا الجانب المهم، وتساعد في إبراز الصورة الجليلة لهذا الرجل العظيم.
وقد أشرتم إلى أن الاحتفاء بصدور هذا الكتاب كان محدوداً، وأن التغطية الإعلامية لذلك الاحتفاء كانت كذلك محدودة، وغير مناسبة لاستقطاب الأقلام والآراء حوله، وهو رأي نقدره ونستفيد منه، مع العلم بأن هذا الاحتفاء أخذ وقتاً وجهداً ليسا باليسيرين، وقد كان نتيجة جلسات متتابعة مع الفريق المساعد ومع عدد من رجال الإعلام والصحافة وضعت على إثره خطة الاحتفاء وبنودها وشخصياتها المشاركة وفقراته، وطبعت الدعوات ووزعت على العديد من الوزراء والأمراء ورجال الفكر والأدب والإعلام في بلادنا على مختلف المستويات والصعد، وأبلغت بالاحتفاء وكالة الأنباء السعودية، وقامت بنشره على وسائل الإعلام المتنوعة، وأعد له ما حضرتموه من عروض حاسوبية وقصائد مسجلة صوتياً ونشرات مطوية توضيحية، كما رصد للحضور جميعاً نسخهم من الديوان البالغ ثلاثة أجزاء في طبعة فاخرة، وزعت بعد الحفل الخطابي وحفل العشاء، في مكان يعد من أرقى الأماكن وأقربها الى الحضور على اختلاف أماكن قدومهم لتوسطه في مدينة الرياض، كما اختير لها تاريخ هو وسط في العام الدراسي، وقبل دخول رمضان المبارك في موعد يناسب المهتمين على اختلاف مشاغلهم، فكان مساء يوم من أيام الأسبوع قبل الاجازة الأسبوعية، كل ذلك لضمان أن يأخذ هذا الحفل مكانته اللائقة ويحظى بأهميته المناسبة، علماً أنه أعقب حفل توقيع الديوان قبله بأسابيع في بيروت، وقد تناولت صحفنا المحلية خبر الحفلين بالاهتمام والتغطية الصحفية المناسبة، كما نشرت لخبر تشرف صاحب الديوان بإهداء نسخ منه إلى قادة بلادنا الأكارم، حفظهم الله ورعاهم.
أما بالنسبة للملحوظات التي ذكرتموها، فيسرني أن أوضح لكم ما يلي:
الملحوظة الأولى: عدم إيراد الطبعة وتاريخها، أتفق معكم كل الاتفاق، وسنعالج هذا الأمر بمشيئة الله تعالى في الطبعات القادمة.
الملحوظة الثانية: إغفال ذكر تاريخ مناسبة عدد من القصائد او موقعها:
أ- فيجدر أن نشير إلى أن القصائد التي كانت تنشر في صحيفة أم القرى والبلاد وصوت الحجاز عادة ما كانت تنشر في اليوم التالي لإلقائها، وعلى هذا فتاريخ العدد المنشورة فيه غالباً ما يعد وافياً بما يراد من تحديد تقريبي للمناسبة لا يبعده عن تاريخها الا أيام قلائل.
ب- القصائد التي أخذت عن طريق الأفراد ولم تحمل معلومات كافية فلا يمكن القطع بتاريخها المحدد، وما ذكر هو ما توافر من معلومات احتفظ بها اصحابها، وفي رأيي أن ذكر تاريخ المناسبة بالعام فيه قدر كبير من الفائدة.
ج - عدم ذكر التاريخ الهجري، فإن امام القارئ الكريم الفرصة لمعادلته بالتاريخ المذكور، وفي المناسبات المشهورة، ومنها مثلاً (توليه العرش، وزياراته للمناطق والدول) التي ذكر فيها العام ما يفيد القارئ والباحث ويترك المجال للتاريخ المفصل باليوم والشهر للمراجع التاريخية المنتشرة.
الملحوظة الثالثة: عدم ترقيم صفحات الصور، وعدم ذكر تاريخها ومناسبتها. وهي ملحوظة مهمة يمكن أن تعالج مستقبلاً، وبخاصة في الكتاب الآخر الذي يقوم على الأسلوب العلمي البحت، ولكن إغفال تلك المعلومات عائد إلى أن الكتاب الذي يحويها الآن كتاب أدبي صرف، وقصد منها إعطاء القارئ صوراً حقيقية لشخصية يقرأ عنها ويعايشها في سياق أدبي حتى يتكامل التصور التخيلي لصورة ذلك الملك الفذ - يرحمه الله .
الملحوظة الرابعة والخامسة: إغفال ذكر المكان او اسم المشروع في معلومات عدد من القصائد. فيرجع إلى نقص المعلومات المتوافرة التي سجلتها المراجع التي اخذت منها القصائد، بالرغم من البحث عنها، وقد اكتفي بما يخدم هدف الكتاب المتعلق بجمع القصائد، بغض النظر عن مدى توافر المعلومات حولها. ويمكن الاستعاضة عن ذلك بدراسة القصيدة نفسها وما وراء افكارها وصورها وإشاراتها والاستئناس بها للوصول إلى التاريخ والمكان واسم المشروع، وبخاصة إذا استعين بالكتب التوثيقية التي ارخت لتلك المدة الزمنية.
الملحوظة السابعة: اقتصار الديوان على قصائد الشعر العربي الفصيح.
وهي التي تأتي في الاهتمام الأول لنا جميعاً، فإذ نقدر لكم شكركم على ذلك فإن المجال مفتوح لجمع ما قيل في الموضوع من الشعر الشعبي في كتاب آخر للأهمية التاريخية التي أشرتم اليها.
الملحوظة الثامنة الأخيرة: الإشارة إلى ان القصائد المختارة في هذا الديوان كلاسيكية، يغلب عليها الأسلوب الخطابي، وانها قصائد مناسبات، عنيت بالمحسنات اللفظية، وبذكر المحاسن والمآثر، والمبالغة في المديح، وانها محدودة الابتكار، ولا ترقى إلى مستوى العمل الإبداعي الخالد. فمن الكتابات التي اطلعت عليها في هذا المجال بحث قصير للأستاذ محمد الخليف الباحث في الأدب واللغة والتربية، بعنوان (لمحات من قصائد ديوان الملك سعود في وجدان الشعراء) وقد ورد فيه وقفات على جوانب الإبداع والخلود في قصائد الديوان، ووقفات اتفقت في الاهتمام بنقاط تشابه ملحوظاتكم السابقة، ومن ذلك رأيه في سبب كون قصائد الديوان تقليدية، فذلك لانها تعود إلى مدة زمنية متقدمة من أدبنا السعودي الحديث، اما اعتمادها على الأسلوب الخطابي فلأن معظمها ألقي مواجهة امام الملك سعود - يرحمه الله - وهو الأسلوب الأليق بموقف يكون فيه المخاطَب على قدر رفيع من المكانة والأهمية.. ولا ينفي الباحث الخليف - في الوقت نفسه - ان عدداً من تلك القصائد قد نزل إلى درجة المنظومات، ولكن كثيراً منها حلق - في المقابل - في سماء الإبداع مع أنه من شعر المناسبات. وفي هذا المجال يرى انه لا تلازم بين قصيدة قيلت في أي مناسبة وبين انخفاض المستوى، فذلك يعود إلى القصيدة نفسها، وأشار إلى ان عناية تلك القصائد بالمحسنات البديعية في عدد منها من دلائل القدرة البلاغية التي لا تُعاب الا إذا كانت متكلفة ومقصودة لنفسها، وهذا لا يظهر بوضوح في تلك القصائد، وان ذكرها المآثر لانها قصائد تعكس سيرة رجل ازدانت حياته بالمحاسن الكثيرة والمآثر الوفيرة، وأشار إلى أن كونها من شعر المديح لا يقلل من قيمة الديوان، ودراسة شعر المديح في أدبنا العربي برمته تظهر للدارس أنه من أبرز الفنون الشعرية وأروجها قديماً وحديثاً، وقد شكلت قصائده النتاج الأوفى للشعراء، وصار ميزة للشعر العربي بين الأمم، وقد نشأ المديح عند العرب شكراً لصنائع المعروف أو تقديراً لاصحابها، أو وفاءً لهم، وحباً في الجليل من الأعمال، واهتزازاً أمام الأريحية والشجاعة، والمروءة والنبل، وحثاً على ما يرنو إليه الإنسان والمجتمعات من كمال منشود. وقد ورد في ذلك البحث ايضاً وقفات على جوانب الإبداع والخلود في قصائد الديوان، يمكن الاطلاع عليها بتفصيل في ذلك البحث.
وفي الختام أشكر للأستاذ الأديب عبدالله بن سالم الحميد اهتمامه وقراءته، وأقدر ملحوظاته التي أجزم أننا سنستفيد منها تجويداً للديوان في الطبعة القادمة - بإذن الله .
وأود في الختام أن أنوه بأننا نتقبل، بكل رحابة صدر، أي نقد موضوعي بنّاء، يرتكز على الأسس العلمية أو الادبية، سواء فيما يخص هذا الكتاب او غيره، ونقدر كل التقدير كل ملحوظة مفيدة ترد في سياق أسلوب رفيع يرقى بالنقاش للمستوى المنشود.
وتقبلوا سعادتكم خالص تحياتي وصادق تقديري.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. سلمان بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود |